قدمت الولايات المتحدة الامريكية مصالحها على مصالح الشعب السوداني كطبيعتها ، ولم تكن جادة في التعامل مع الذين عرقلوا مسيرة التحول الديمقراطي والحكم المدني في السودان ، وحاولت امريكا الكيل بمكيالين في التعاطي مع القضية السودانية ، وذلك حفاظاً على مصالحها في ظل استمرار الحكم العسكري الذي لا تعلم كم ستكون فترة حكمه،
ويبدو ان اول الاسباب في التراخي الذي انتهجته الولايات المتحدة الامريكية وترددها في فرض عقوبات على بعض القيادات العسكرية هو هشاشة وتشرذم القوى السياسية والشتات الذي عانت منه في فترة ماقبل الانقلاب، وفشلها في ايجاد حلول وتقديم رؤية واضحة مابعد الانقلاب ، فأمريكا اصبحت في مقام الذين ينشدون فقط حكماً ديمقراطياً في السودان لكنها عجزت عن تقديم مساعدة مباشرة للشعب السوداني لتحقيق هذا الهدف
لكن من المتوقع ان تعمل الولايات المتحدة الامريكية في مقبل الايام على تغيير أسلوبها في التعامل مع القضية السودانية وتكون اكثر حدة مع المكون العسكري ، ليست لخاطر الديمقراطية ولا من أجل تحقيق اهداف الثورة وتطلعات الشعب، لكن بسبب اقتراب العسكريين من الروس بخطوات حثيثة تمثلت في زيارة الفريق محمد حمدان دقلو بصفته الرجل الثاني في المجلس الانقلابي فربما تتجه امريكا لاستخدام اسلوب المواجهة مع العسكر فيما يتعلق بفرض العقوبات الفردية لتحد من تمدد العلاقات السودانية الروسية.
فزيارة دقلو لها أبعادها الخطيرة وآثارها السالبة على العلاقات السودانية بدول العالم كافة وامريكا على وجه الخصوص ، والتي ربما تخلق فجوة وجفوة كبيرة بين البلدين تتسبب في ايقاع الضرر المباشر وغير المباشر على السودان .
فتحركات حميدتي بخطى متسارعة واصراره على عقد اتفاقيات مع الروس وابحاره في شتى الجوانب السياسية والاقتصادية والامنية، هذا وحده كفيل بأن يجعل العالم يصنف المجلس الانقلابي كداعم لروسيا في حربها ضد الاوكرانيين ، وان روسيا ستكون حليفة السودان في مستقبل حكم العسكريين طال عمره او قصر ، فهل العسكريون يستعجلون العقوبات الفردية !
واستشعر المجلس الانقلابي هذا الخطر وحاول ان يغطي على ( خرمجة ) دقلو لذلك أمن في آخر اجتماع له أمس على موقف السودان الداعم لإعتماد الحوار وسيلة لحل الأزمة بين روسيا وأُوكرانيا وان السودان مع الحل الدبلوماسي سبيلاً للخروج من الأزمة ويدعم المساعي الجارية الآن بين البلدين)، في محاولة منه لتحديد موقف السودان الواضح من الحرب الروسية الاوكرانية ، او عله يغطي ما تكشفه زيارة حميدتي من أخطاء فادحة وتهور لتعميق العلاقات السودانية الروسية دون الإلمام بزمام الامور واسس وقواعد الدبلوماسية وافتقار تام لما يتعلق بملف العلاقات الخارجية.
وبالأمس أكد كل من عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي كريس كونز والشريك المؤسس لسنتري والمستشار الأول لمؤسسة كلوني للعدالة جون بريندرغاست ، ان العقوبات الفردية تساعد في استعادة الديمقراطية في السودان بالتركيز على قادة الطغمة العسكرية الرئيسيين وشبكاتهم الذي يمكن أن يجبرهم على تغيير مسارهم.
وقالا في مقال كتباه معا نشر أمس على مجلة فورين بوليسي ان ” الصراع مستمر من أجل مستقبل السودان، وستكون نتيجة هذا الصراع الحالي بين الجيش الكليبتوقراطي والثورة السلمية الصامدة في الشوارع عواقب تتجاوز القرن الأفريقي بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وخصومها.
وقال الكاتبان في المقال ان روسيا اجرت محادثات في موسكو مع أحد كبار العسكريين السودانيين أثناء غزو القوات الروسية لأوكرانيا، وتطرق المقال الى اشتباه ضلوع روسيا في الانقلاب العسكري في الخرطوم في أكتوبر وأكد المقال ان مصر ودول الخليج تحجم عن المخاطرة باستقرار قصير المدى لدعم التحول الديمقراطي في جوارها وتريد الصين شريكًا تجاريًا ، وانتقد المقال موقف أوروبا التي تدعم التحول الديمقراطي، إلا أنها لا تريد مئات الآلاف من المهاجرين الجدد يتجهون شمالاً واستنكر اشاره قادة النظام السوداني إلى أن هذا سيحدث إذا لم يدعم المجتمع الدولي الحكومة العسكرية.
في ذات التوقيت تعود امريكا من جديد للاتجاه نحو دعم التحول الديمقراطي في السودان وأشادت السفارة الامريكية بالخرطوم امس بالعمل الكبير الذي قامت به بعثة الامم المتحدة بالسودان (اليونيتامس) فيما يختص بالمشورات السياسية التي أجرتها البعثة مع اصحاب المصلحة السودانيين لمعرفة رأيهم حول الحكم الديمقراطي وقالت السفارة على حسابها الرسمي في الفيسبوك ان التقرير الذي اصدرته اليونيتامس يبين ان السودانيين هم من يقودون عملية التحول الديمقراطي في بلادهم وابانت السفارة ان الولايات المتحدة تؤيد بقوة تطلعات الشعب السودانى وتهنىء الشعب السوداني واليونيتامس بهذه الخطوة المهمة في مسيرة التحول الديمقراطي.
لذلك يبقى السؤال هل سيكون هنالك سباقاً محموماً بين العسكريين في تسارع خطاهم نحو روسيا من أجل الحماية ، والامريكيين في تسارع قراراتهم بفرض عقوبات على العسكريين قبل ان تتحقق أهدافهم، فأمريكا قد تلجأ لاصدار قرارات عاجلة ان مارس حميدتي هواية التخبط .
طيف أخير
بعض الأشياء التي تعتقد أنك لا تستطيع العيش بدونها هي التي تموت بسببها كل يوم.