للأستاذ محمود محمد طه شهيد الفكر والرأي مقولة دائما ما اتمثلها وأعمل بها، لما تنضح به من حكمة وسماحة وسعة أفق اشتهر بها الاستاذ، و لعل الاستاذ حين أطلق هذه المقولة الدرة كان يعني بها بصفة خاصة شخص الدكتور حسن الترابي رحمه الله ، بيد أنها تصلح للتعميم بأن تكون وصفة مشاعة بين السياسيين وكل المختلفين..يقول الأستاذ ويبدو أنه كان يجيب على سؤال موجه له عن شخصية الدكتور حسن الترابي (نؤكد لمن عسى يحتاجون لتأكيد أن شخصية الدكتور حسن موضع حبنا ولكن ما تنطوي عليه أفكاره من زيف وتضليل هو محل حربنا)..انتهت مقولة الأستاذ..وهي عندي أعلى درجة وأرق عاطفة من المقولة الشائعة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وظني أن الانسانية والبشرية مهما تباعدت بين بنيها المواقف فلن يكون ذلك على كل شئ جملة وتفصيلا، لابد أن تكون هناك بعض المشتركات التي يلتقون عندها، كما أن مفهوم الصراع عند مستوى معين هو الأنسب من محرقة التنابذ والاساءات الشخصية، فالصراع بهذا المعنى يعد أحد الاشكال الرئيسية للتفاعل ويعتبر حافزا بوصفه أحد مصادر القوة لرفع وتسريع وتيرة الأداء، ولهذا الأفضل في ساحات النزال السياسي والتعارك البرامجي والرؤيوي أن يذهب التعاطي رأسا إلى الأفكار والبرامج والرؤى والسياسات بدلا من الشخصيات التي يجب أن تظل محل احترام مهما اشتد أو اشتط الخلاف، وان كان ما من بد للشتم والسب فليقع على الأفكار والبرامج وليس الشخصيات أو الكيانات والتنظيمات، وبهذا المعنى فان من نعني هنا هو الاستاذ الطيب مصطفى الناشر السابق لصحيفتي الانتباهة والصيحة والكاتب المعروف بكلتيهما، الذي غادر هذه الفانية يوم الأحد الماضي نسأل الله له القبول والرحمة، فالمرحوم الطيب مصطفى في شخصه لمن لم يقترب منه أو يتعامل معه (قدر لي ان اتعامل معه لفترة)، شخصية تختلف تماما عن ما تقرأه له في كتاباته السياسية أو تسمعه ملفوظا منه في الشأن العام، فهو شخص حقاني شفيف ونبيل وودود وود بلد، ومثله تماما اسحق فضل الله عندما يكون بعيدا عن الشيطان الذي يتلبسه عند الكتابة، شخص لطيف وظريف وحكاي ووناس وود ناس، ولهذا لم نكن نعادي الطيب في شخصه وانما أفكاره وتصوراته، وسبق لي ان دخلت معه في سجال حامي كان هو البادئ به، ولكن رغم وقوفنا على طرفي نقيض كان حريصا على التحاقي بصحيفته (الصيحة) وقد كان..
ولكل ما تقدم ذكره ومن موقف مبدئي، كان لابد لي أن أعبر بأقوى العبارات عن استيائي واستهجاني للفرح أو ابداء الشماتة على موت الطيب مصطفى، بل يقيني أن كل صاحب نفس سوية ومتوازنة هذا موقفه وتلك قناعته، وقد ظللت على هذا الموقف الرافض لابداء اي مشاعر شماتة في مريض أو ميت، من أية جهة بدرت هذه الخصيصة الخسيسة أو من أي فرد كان، فمهما تكن درجة الحنق على الطيب مصطفى ومنبره (السلام العادل) ومهما يكن حجم الخلاف معه، فإنه لن يكون من اللائق والمقبول أن يقابل موته بالشماتة عليه، فذلك تصرف غبي وعمل شائن وغير حضاري ولا انساني ينبغي ألا يقابل بغير الاستهجان والإدانة..وما اذكره في هذا الصدد تلك النزالة والخسة التي مارسها شباب حزب المؤتمر الوطني المحلول عند وفاة الفنان المبدع زيدان ابراهيم، فحين أذيع خبر وفاة هذا المبدع، كان شباب الحزب المخلوع محتشدين في مؤتمرٍ لهم من مؤتمرات اللغف واللهف، فاستقبلوا خبر الوفاة بالصفير والتصفيق، بصورة أعادت للأذهان مشهد صعاليك السينما من جمهور الترسو وما أدراك ما جمهور الترسو وأفلام الترسو حين كان للسينما سطوة وغلبة وامبراطورية غابت عنها الشمس..