“الشهداء لا يتشابهون، لكل واحد منهم قوام خاص، وملامح خاصة، وعينان واسم وعمر مُختلف، لكنّ القَتَلَة هم الذين يتشابهون”.. محمود درويش..!
أول تفعيل لقضية مقتل الشهيد “أحمد الخير” تأخّر كثيراً، بعد أن سبقته الكثير من الإجراءات القانونية المُتعلِّقة بقضايا الفساد، وقد كانت هذه القضية هي الأولى باتّخاذ ما يلزم من تفعيل لمُقتضيات العدالة. صحيحٌ أنّ الغُبن قد استشرى في الصدور جراء التمكين الجائر والفساد الذي أزكم الأُنُوف طيلة سنوات حكم الإنقاذ. وصحيح أنّ مُعظم فئات الشعب تُطالب اليوم باسترجاع أموالها المنهوبة، لكن المُحاسبة على جرائم قتل المتظاهرين وتعذيب المُعتقلين، وترويع الآمنين طيلة شهور الثورة – بل طيلة عُقُودٍ خلت – لا بُدّ أن تأتي في المقام الأول، فالعين بالعين، والسن بالسن، وبالبادئ أظلم..!
لا يكفي أن يتصدَّر خبر غائم، بصياغة عائمة، عناوين الصحف، بشأن لقاء النائب العام المُكلّف بهيئة الاتهام في قضية مقتل الشهيد “أحمد الخير”، ولا يكفي أن تكون هذه الهيئة برئاسة وعضوية أكبر المُحامين في البلاد، ولا يكفي أن تُؤكِّد النيابة العامة على لسان نائبها المُكلّف بأنّها جهة مستقلة عن الجهاز التنفيذي والتشريعي..!
لا بُدّ من إعادة التحري، لا بُدّ من رفع الحصانة عن المشتبه بهم في هذه القضية، ولا بُدّ، لا بُدّ من أن تكون هنالك تحريات مُنفصلة في مُواجهة كل مسؤول أدلى بإفادات مُضلّلة بشأن وقائع تلك الجريمة التي اهتزّت لها أركان البلاد، لهولها وبشاعتها، ودلالتها الدامغة على استشراء الظلم والفساد والمحسوبية والمُحاباة، في أجهزة الدولة التي كان الأولى بها أن تحمي المُواطنين لا أن تسحلهم في الشوارع، وتسوقهم كالخراف إلى الزنازين، وتمعن في تعذيبهم وإذلالهم، لا لذنب جنوه سوى المُطالبة بالحُرية والعدالة بأكثر وسائل التغيير سلميةً على وجه الأرض..!
دماء الشهداء التي اندلقت في الشوارع والمُعتقلات وفي مُختلف بقاع الوطن، هي الأولى بالمُسارعة إلى القصاص. والعدالة الناجزة في هذا الشأن هي التي تُؤسِّس لوطنٍ مُعافى اجتماعياً، وسليم سياسياً، وواعد اقتصادياً. ليس شهداء هذه الثورة فحسب، بل شهداء ثورة “سبتمبر” 2013م، وما قبلهما وما بينهما من جرائم مُشتبهات..!
إن لم تنجح القيادة التي تقوم بتصريف شؤون البلاد، إن لم تنجح الحكومة المدنية القادمة، أو حكومة التكنوقراط – أيّاً كان شأنها أو لونها أو رسمها – في أن تنصف شهداء الوطن، بتطبيق مبدأ المُحاسبة وتفعيل حَدّ القصاص العادل، فلا خير فيها، ولا رجاء منها..!
من المُقلق حقاً، أن يعلو إيقاع الاعتقالات لرموز الفساد، والمُكافحة والمُصادرة للأموال ومظاهر الضبط والإحضار لمُستندات الفساد الإداري – من المُقلق حقاً أن يعلو هذا الإيقاع – على أصوات أسر وأحباء وزملاء ومُواطني الشهداء الذي سقوا بدمائهم الطاهرة غراس هذه الثورة، وحموها بأرواحهم، وفدوها بحَيَواتٍ خفت بريقها، وأحلام لم تتحقّق، ومشاريع إنسانية كانت تنمو، وتورق، وتزهر، و تترى، ثم قُدِّر لها أن لا تكتمل..!
طَالَبُوا باجتثاث الفساد ومُعاقبة المُفسدين، ولكن لا تنسوا حقوق الشهداء عليكم، فدماؤهم هي التي رَسَمَت حُدُود هذا الوطن الجديد..!