صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

وانا في شقاي سعيد

14

صباحكم خير

د. ناهد قرناص
وانا في شقاي سعيد

‏‏‏‏

الهجرة )كدراوية( التي بدأتها مجموعات كبيرة ربما تصل الى عشرة آلاف مهاجر من دولة هندراوس في أمريكا الجنوبية.. قاصدين الولايات المتحدة الأمريكية.. أثارت فضول الكثيرين مما جعلها من أعلى الأخبار المتابعة هذه الأيام.. آلاف البشر يتحركون سائرين على الأقدام من هندراوس مروراً بجواتيمالا.. وعندما حطوا رحالهم بالمكسيك.. عرضت عليهم حكومة المكسيك حق اللجوء السياسي.. لكنهم رفضوا في حزم وقالوا )لابد من أمريكا وإن طال السفر(..
لولا هجرتهم هذه لما سمعنا بمعاناتهم.. فقد كانوا يقاسون الفقر المدقع.. طرقوا جميع الأبواب.. وعندما لم يجدوا أي استجابة.. عقدوا العزم على الرحيل.. حزموا الحقائب.. حملوا أطفالهم.. ويا أمريكا جاك زول.. الشهادة لله.. الفكرة أعجبتني.. فقد قرأت ذات مرة حكمة جميلة تقول: )إن كان الوضع لا يعجبك في المكان الذي تعيش فيه.. بادر بالرحيل .. أنت لست شجرة(.. أهل هندراوس اتبعوا الفكرة.. هم ليسوا بأشجار.. قرروا أن يذهبوا الى بلاد أخرى علهم يجدوا احترام الإنسانية الذي فقدوه في أوطانهم.
لكل اؤلئك الذين أحسوا بالغيرة من هجرة اللاتينين.. نقول لهم .. أولاً )بالتبادي(.. نحن ناس الهجرة من زمان.. نحن كما قال الشاعر جمال عبد الرحيم: )الهجرة من زمنا قديم.. زي ساقية فينا مدورة(.. الفرق أن هجرتنا كانت قسرية.. ما كانت بي أخوي واخوك.. أغلبها كانت من أجل بناء السدود.. من أجل بناء السد العالي هاجر أهالي حلفا من أقصى الشمال الى خشم القربة في الشرق.. ولو كان الأمر بيدهم.. لما تركوا موطن الأجداد.. قيل إن بعضهم حمل معه مفاتيح بيته عله يعود في يوم من الأيام ويجده كما كان.. وهجرة المناصير من أجل سد مروي عاصرها الكثيرون من أبناء هذا الجيل .. وجهادهم في أن يستوطنوا بالقرب من أراضيهم ما يزال مستمراً.. عسى ان يأتي بنصر قريب.. ..لكن هجرة أهل هندراوس غير.. اجتمعوا.. وفكروا.. وقرروا ترك البلاد بكاملها.. لمجموعة المتنفذين فيها.. ليستقيظوا ولا يجدوا أحداً ليحكموه.. وربما حينئذ تتحقق نبؤءة عادل إمام في مسرحيته الزعيم.. عندما تمنى أن تموت الشعوب كلها ولا يجد الحكام أحدا ليحكموه.. ودعا للزعماء أن )يجيلهم عقد عمل في الخليج.. ويسافروا هناك اللي عايز مروحة يجيب.. واللي عايز كفتة ياكل(.
الهجرة عندنا فردية.. نتسلل لواذاً.. واحداً تلو الأخر.. خدعنا أنفسنا بترداد كلمة الأغتراب.. بل يقول لك بعضهم كم سنة كدا واجي راجع.. رغم أن الذي يسافر الى اوربا أو أمريكا لا ينوي العودة في دواخله.. أما مغتربي الخليج فقد صاروا يدرسون خيارات الاستقرار في مصر أو الهجرة الى استراليا.. وأضحت الجامعات الماليزية والاندونيسية تشكل خياراً جيداً لابناءهم.. ولم يعد بناء بيت في السودان يشكل حجر الزاوية في أحلامهم.. اذن نحن نهاجر بالتقسيط المريح.. نخلي البلاد شيئاً فشيئاً.. نردد: )أبقوا عشرة على العقاب(.. بينما العقاب يحدث نفسه بالرحيل وهو يجري خطوات تنظيم في مكانه.. نخلص الى أن شعار: )أنا في شقاي سعيد( الذي ظل مرفوعاً قرون عددا.. في طريقه للاندثار.. لكن بالحركة البطيئة.. الشعار المناسب لهذه المرحلة هو .. )إني أرى شجراً يسير(.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد