:: بما أن حظرها كان لأسباب ذات صلة بصحة المواطن السوداني، فان رفع الحظر عن المنتجات المصرية كان يجب أن يكون (تقريراً فنياُ)، وليس (قراراً سياسياُ)، ولكن كل شئ يأتي في بلادنا كما تشاء السياسة وليس منطق الأشياء .. أما الحديث عن حركة السلع والمواطنين ثم توقيع اتفاقية الحريات الأربع بين البلدين، فهو ما يتمناها الشعبين، ولكن .. منذ مارس الفائت، ما بين الخرطوم والقاهرة اجتمعات حول القضايا الكبرى العالقة بين البلدين، بما فيها قضية أرض السودان المحتلة بمثلث حلايب.. وما لم يكن القصد من هذه اللجان هو تخدير قضية حلايب، فكان على الحكومتين عكس نتائج التفاوض المباشر، إن كانت هناك نتائج .. !!
:: نعم، قضية حلايب هي التي يجب أن تظل في قائمة (الضروريات)، وليست اتفاقية الحريات الأربع و السلع والمنتجات وغيرها من (الكماليات) .. ثم أن التنقل والإقامة و العمل و التملك، هي الحريات الأربع .. ومنذ زمن بعيد، تنفذ مصر ثلاث حريات بلا أية اتفاقية، وهي الإقامة والعمل والتملك، ولكنها لم تنفذ حرية التنقل بالكامل.. إذ لايزال السفر إلى مصر بلا تأشيرة فقط للمرأة و ما فوق الخمسين سنة من الرجال، ويُلزم الشباب بالتأشيرة..وتأشيرة الشباب هذه هي الثغرة المصرية في (الإتفاقية).. وكذلك للسودان ثغرة، إذ لم ينفذ حرية التملك..!!
:: وقد تلغي مصر تأشيرة الشباب، وبهذا تكون قد نفذت إتفاقية الحريات الأربع بالكامل..ولكن، هل يغامر السودان بتعديل قانون الأرض بحيث يكون للمواطن المصري حق الإمتلاك كما تنص الإتفاقية؟.. (لا)، وهذه هي الحقيقة التي تتهرب عن مواجتها الحكومة السودانية.. بالتملك يُقيم الأجنبي ويعمل ويتنقل في كل أرجاء القطر كأي مواطن، وهذا هو حال الأسر السودانية وكل الأسر الأجنبية المستقرة – سكناً وعملاً – في كل الدول التي تمنح الأجنبي حق التملك .. وبغير التملك، لايقيم الإنسان ولا يعمل ولا يستقر، وهذا هو حال المواطن المصري وكل الأجانب في السودان ..!!
:: وعليه، من الخطأ أن نظن بأن التساوي أمام الحريات الأربع هو فقط إلغاء تأشيرة الشباب، ثم نغض الطرف عن (قانون الأرض)، المقيًد لأهم حريات المواطن المصري في السودان..ولذلك، بما أن هناك أسباب أمنية تمنع مصر عن إلغاء التأشيرة ، وبما أن المزاج العام في السودان – قبل قانون الأرض- يرفض أن يمتلك الأجنبي – مصرياً كان أو غيره – الأرض، فليس هناك ما يستدعي الإبقاء على إتفاقية بها كل هذه (الثقوب).. أي كما الحال مع كل دول الجوار، فأن علاقة تواصل شعبي تحكمها دساتير وقوانين البلدين أفضل من الخداع المسمى بالحريات الأربع..!!
:: والمهم، ليست الحريات الاربع ولا حركة الصادر و الوارد، بل حلايب هي الإمتحان الحقيقي لعلاقة البلدين.. وعلى مصر تجاوز هذا الامتحان، كما تجاوزت امتحان طابا ..مصر لم تُحرر طابا بوضع اليد، ومن الحكمة أن تختار الحكومة المصرية طريق تحرير طابا المتفق عليه دولياً، أي الطريق إلى حل قضية حلايب يجب أن يمر بالتحكيم الدولي.. فالسلع والمنتجات والحريات الأربع وغيرها بمثابة أعراض لمرض يجب علاجه (عاجلاُ).. حلايب هي قضية الوطن والمواطن، وليست المنتجات والحريات وغيرها من (التفاصيل )..ويجب طي هذا الملف بالتحكيم الدولي، ولو عجز السودان عن استرادها بالوثائق التاريخية، فليس لنا من خطاب غير : ( مبروك عليكم)..!!