صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

واحد شاي سادة

28

صباحكم خير
ناهد قرناص
واحد شاي سادة

شوارع الخرطوم صباحا ..تبدو شبه خالية من المارة ..الا المضطرين من امثالي الذين خرجوا من ديارهم للشديد القوي ..بالقرب من المستشفى ..اقترب مني شاب حدث السن مبتسما مد كوب شاي لي ..كنت في امس الحاجة له لمقاومة النعاس في يوم الاجازة ..كان يحمل معدات الشاي كلها بيد ..كفتيرة واكواب ورق ..سكر وبسكويت … )سيد شاي( كامل الأهلية ..تلفت حولي ..كان هناك العديد من امثاله ..انه شاي دليفري يا جماعة ..حيث لا بنابر ولا كانون يتم التحلق حوله ..والامر يتم سريعا ..تاخد شايك وتذهب الى حال سبيلك.
الذكور يتسيدون الموقف مرة اخرى ..ويستعيدون مواقعهم في عمل الشاي والقهوة ..كانت الى زمن قريب مهنتهم ..)القهاوي( تجدها في اطراف الأسواق ..شئ لابد منه ..والحقيقة في العالم كله تقريبا ..تحتل المقاهي حيزا كبيرا من المدن ..المقهي يقدم الشاي بانواعه والقهوة …واحبانا خدمات الشيشة ..تجد الرجال في مجموعات يجلسون يناقشون احوال البلد ..ويلعبون الدومينو ..والليدو احيانا ..اذكر انه كان هناك مقهى في السوق الصغير بالقرب من بيتنا في عطبرة ..كانت جدتي ترسلنا أحيانا لنأتي لها بالقهوة من هناك )كانت عندها اعتقاد في جمال القهوة من هناك (..حين يحكمها مزاجها ..)القهوة ( كما كنا نطلق عليها ..كان بها نادل يصيح باعلى صوته ..واحد شاي سادة هنا ..اتنين قهوة هناك ..
متى حدث الانقلاب الانثوي في هذه المهنة ؟ واين كان موقع التسليم والتسلم ؟ ومن هي اول )ست شاي ؟( ..الملاحظ انه قد حدث في الاونة الاخيرة )انفجار وظيفي ( في هذه المهنة ..ستجد امام كل مصلحة حكومية او خاصة ..على الأقل ست شاي واخرى تعد الفطور او الغداء ..اغلبهن صامتات لا يشاركن في الأحاديث ..بل انني استغرب ذلك الهدوء وطولة البال التي يتميزن بها ..وحلقات الرجال حولهن تضج بالأحاديث والضحكات …ست الشاي مستمعة جيدة ..وان ما )اخاف الكضب( ..هي معالجة نفسية ومستشارة للكثيرين الذين لا يجدون أذنا صاغية في بيوتهم ..وكاتمة اسرار ..وبنك تسليف محلي ..تعطيك شايا أو قهوة بلا ضمانات ..ولا رهن ..وتصبر عليك حتى تاتيها النقود حين ميسرة بلا فوائد ولا ربا.
لكن السؤال لا يزال قائما ..متى حدث الانقلاب الوظيفي وتسلمت النساء صناعة الشاي في الطرقات ؟ اعتقد ان الامر حدث عندما ساد الشغب المعماري شوارع الخرطوم )حقوق الطبع محفوظة للسيد منصور خالد( ..وصارت المدينة لا تعرف اولها من اخرها ..وتداخلت الاسواق مع الاحياء ..واي شخص له بيت ناصية او يفتح على شارع رئيسي ..اقتطع جزءا منه وصار سوبر ماركت ..او مطعم ..او بوتيك.. المستشفيات تحتل عمارات سكنية داخل الاحياء ..اختفت الميادين ..وصارت مطمعا لكل صاحب قرش ..اختفت الملامح الاساسية للمدينة ..حين كان بكل حي ..مجموعة بيوت سكنية وادعة ..ميدان للعب الكرة .مسجد ومدرسة ابتدائية وسوق صغير على احد اطرافه يوجد مقهى.
ستات الشاي وفرن خدمات الشاي ديلفري حين اختفت المقاهي ..انهن يدفعن فاتورة الفوضى التي ضربت التخطيط العمراني والانهيار الاقتصادي الذي اخرجهن من بيوتهن ..اذ لا احد يستطيع ان يعيد الامر كما كان ..وقصة المظهر الحضاري للعاصمة ..هي علكة تلوكها المحليات لتحصيل اكبر قدر من الجبايات ..ها قد اتاكم من يحمل ادواته بيده .)سيد الشاي ( ..ولو جاءت )الكشة ( ..سيطلق ساقيه للريح ..ولن تقدروا على اللحاق به )شباب ورياضة ( …ولا مجاراته في الزوغان بين الأزقة والحواري ..غايتو يا ناس المحلية شماتة ابلة ظاظا ..)عجبني للمرقوت (

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد