أعلنت الوساطة الإفريقية الأثيوبية في مؤتمرٍ صحفيٍّ مساء أمس، توصُّل الطرفين (قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري) لاتفاقٍ عدا المجلس السيادي.. ويُتوقَّع اليوم التوصُّل إلى اتفاق نهائي..
خطوة مهمة إلى الأمام، رغم أن الطرفين كانا في السابق قبل مجزرة القيادة في وضع متقدِّم أكثر وبلا وساطة، حينما توصَّلا إلى اتفاق يقضي بتفويض قوى الحرية والتغيير تشكيل كامل مجلس الوزراء و67% من البرلمان ولم يبقَ إلا مقعدٌ واحد ترجيحيٌّ في المجلس السيادي كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير..
الآن أتوقع أن تستفيد قوى الحرية والتغيير من التجربة السابقة، فلا تتردد في الاندفاع إلى الأمام بتسمية رئيس ومجلس الوزراء كاملا، حتى ولو تأخر قليلا الاتفاق على المجلس السيادي، لأن تسلُّم المهام التنفيذية لمجلس الوزراء ستقوِّي كثيرا الموقف التفاوضي للحرية والتغيير، فعلى أقل تقدير، في المليونية القادمة 13 يوليو 2019 ستكون وسائط الإعلام الرسمية، إذاعة وتلفزيون أم درمان حاضرة في قبضة الثوار للترويج قبل الموكب ثم لِبثِّه حيًّا على الهواء مباشرة لكل العالم.. بعبارة أخرى سيمتلك الشعب السوداني أدوات السلطة لإكمال ما تبقى من مشوار الثورة..
ونصيحة خاصة لبقية القوى السياسية، التي أوهمت المجلس العسكري أن يعوِّل عليها في بناء تحالف مضاد لقوى الحرية والتغيير، وظلت تكرر عبارة أن “الاتفاق الثنائي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري يعني (إقصاء) بقية القوى السياسية”، هذا محض أوهام.. ليس في العالم كله دولةٌ يجلس في كراسي الحكم فيها كلُّ الأحزاب والمكونات السياسية.. الملعب دائما مقسَّم بين أحزاب حاكمةٍ وأخرى معارِضة في انتظار فرصة أخرى.. وخلال الثلاثين سنة الماضية ظل حزب المؤتمر الوطني يحكُم حصريا مُحتكِرا الحكم ومتخيِّرا من الأحزاب السياسية من يرضى في المشاركة بجاه السلطة ويمسك لسانه وضميره.. وعلى هذا أُفسِدت الحياة السياسية بممارسة تعددية صورية ممعِنة في التضليل.
الآن ومن خلال الحراك الجماهيري منذ 19 ديسمبر 2018 وحتى آخر مليونية في 30 يونيو 2019 ظلَّت قوى الحرية تحظى بتصويت مباشر ليس برمي بطاقة في صندوق بل سيرا على الأقدام وسيلا على بُحُور الدماء.. منتهى الديموقراطية أن يكون هذا التصويت الجماهيري تفويضا لقوى الحرية والتغيير لتولِّي إدارة البلاد في كافة المستويات لكامل الفترة الانتقالية..
ليس في الأمر إقصاء، هي ممارسة ديموقراطية تسمحُ لمن رضي الشعبُ بقيادتِه طوال شهور الثورة الصعبة، أن يواصل قيادته للفترة الانتقالية.. وللآخرين أن يجلسوا في مقاعد المعارضة في انتظار أول فرصة مسابقة انتخابية..
الأمر ليس فيه إقصاء.. ولا يحزنون!!.