مررت في عجالة على احتفالية اتحاد الصحفيين السودانيين.. مستظلة هذه المرة بالهيئة التشريعية القومية.. للتوقيع على ميثاق الشرف الصحفي.. نص الميثاق على أن يوقع رؤساء التحرير فقط.. ذهب بنصف الحماس.. هذا أمر يذكرك بـ.. إذا قام بها جماعة سقطت عن الباقين.. علما بأن كل نصوص الميثاق أشبه بالصلاة.. مسؤولية شخصية.. دور فردي.. ينبغي أن تمارسه أنت بنفسك.. ولا يصلح أن يقوم مقامك أحد.. حتى لو كان رئيسك.. لذا كان في تقديري أن حشد توقيعات كل العاملين في هذا الحقل.. لمما يكرس للمسؤولية الفردية.. ثم يخلق زخما كان مطلوبا في هكذا مناسبة.. صحيح أن الاتحاد والمنظمين معه نجحوا في حشد قيادات من العيار الثقيل.. ومن ذوي الصلة الوثيقة بالعملية الصحفية..
ولكن الصحيح أيضا.. أن الحفل تحول لمنصة رسمية وتحول الصحفيون لمجرد كومبارس.. رغم أن لحمة الحدث وسداته هم الصحفيون.. وليس الحكومة.. فالذين جاءوا بالأمس من المسؤولين جاءوا ليقفوا شهوداعلى فعلين يعنيان الصحفيين.. الأول التزامهم بميثاق يحكم العلاقة بين الصحافة والمجتمع من جهة.. وبين الصحافة والدولة من جهة أخرى.. أما الأمر الثاني فيما يعني أولئك المسؤولين.. هو معرفة بأي آلية سيدير هؤلاء الصحفيون شأنهم في هذا العهد الجديد.. فقط.. لذا.. كان من رأيي على سبيل المثال.. أن يكون مقر الاحتفال دار اتحاد الصحفيين.. لا البرلمان.. هذا لا يقدح في تقديرنا للبرلمان بالطبع..!
ولكن.. شاءها البعض كذلك.. فتحول الحدث الصحفي الذي كان ينبغي أن يتسيد الساحة الإعلامية أمس واليوم.. إلى مجرد حدث جانبي.. فتقدمت الخطب العصماء التي قدمها الدستوريون.. فصنعت أخبار الفضائيات.. ومانشيتات الصحف.. وونسات مواقع التواصل الاجتماعي.. وصار مألوفا أن تقرأ.. بمناسبة توقيع الميثاق.. قال فلان كذا وكذا.. ثم لا أحد يكلف نفسه العودة إلى الميثاق المفترى عليه.. لا لاستكناه نصوصه وحسب.. بل ولا حتى الوقوف على دلالات التوقيع ومغازي الإعلان عنه.. وعلى ذكر الخطب فقد كان حديثا من العيار الثقيل ذاك الذي أطلقه المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وهو يصف الصلة بين السفارات والصحفيين بأنها.. مشروع عمالة.. والرجل ذكي بما يكفيه أن يرمي الكرة في المنطقة المحايدة.. لا في منطقة أحد الخصمين.. فهو لم يجرم أحدا ولم يبرئ.. ولكنه حذر الجميع.. هذه قصة نعود إليها لاحقا..! ومثل هذا الحديث.. دون الخوض في تفاصيله الآن.. كان يستدعي وجود وزير الخارجية أيضا.. ليرسم للصحفيين.. الخطوط الفاصلة بين الإعلام والعمالة.. فثمة ضبابية معتمة تغطي هذه المنطقة.. لخص هذه الضبابية.. في مناسبة سابقة.. صديق ساخر حين قال.. اتحاد الصحفيين يدعو الصحفيين للعشاء مع السفير الصيني.. وجهاز الأمن يدعو الصحفيين أيضا.. ولكن للتحقيق معهم.. حول عشاء مع سفير آخر..!
مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق صلاح عبد الله.. الشهير بقوش.. بعد أن رج المنصة في المرة الأولى.. عاد للمرة الثانية واختطفها بالكامل.. بعد التشاور مع مسؤول الإعلام بالجهاز العميد محمد حامد تبيدي.. إن قرار مدير الجهاز بشطب كل الإجراءات ضد الصحافة كان هو الحدث الأبرز أمس.. ولكن.. إذا وقف الناس فقط عند نصه وما يترتب عليه يكونون مخطئين.. الفريق قال إنه يرغب في فتح صفحة جديدة مع الجميع.. ولكن ما لم يقله قوش في ذلك الحشد المحتفي بشطب البلاغات.. )وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا(.. أو بمعنى آخر.. سنتجاوز عن كل ما سبق الميثاق.. ولكن بعد اليوم.. فلا عذر لمن أنذر..!