بدا واضحاً لكل ذي عقل وبصيرة بحكم كثير من المؤشرات والحيثيات، أن اقتراب موعد تسليم رئاسة السيادي التي يشغلها الآن البرهان للمدنيين، تعد واحدة من أقوى الأسباب التي دفعت المكون العسكري لقيادة عملية انقلابية بالاشتراك مع آخرين لقلب الطاولة على الشراكة القائمة واستبدالها بأخرى تلبي رغباته، ومن هذه الرغبات بالطبع استمرار البرهان في الرئاسة، ولا أراني مبالغاً ان قلت أنه راغب ليس فقط في رئاسة مجلس السيادة بل حكم السودان، ولا تضللنكم تلك الأقاويل الشفاهية التي يبذلها بزهده في السلطة، ف(الكلام ليس بفلوس)، ومثل هذا الكلام المجاني كرره كثيرا المخلوع البشير بابداء عدم رغبته في الترشح للرئاسة شفاهيا بينما كان يمضي في الترشح عمليا، ولعل البرهان نفسه قد عبر عن رغبته في حكم السودان بطريقة يصفها علماء النفس ب(الاسقاط)، وذلك حين قال البرهان في لقاء تلفزيوني مشهود، أن والده تنبأ له بحكم السودان..
وفي الخصوص ذاته تستدعي الذاكرة أيضاً وقائع مؤتمر صحفي شهير، عقده المؤتمر الشعبي قبل نحو عامين، وخاطب المؤتمر ثلاثة من كبار قادة الشعبي، وهم على التوالي أبوبكر عبد الرازق وكمال عمر وبارود صندل، وثلاثتهم ذوي خلفيات قانونية تفترض فيهم عدم القاء الأقاويل الجزافية التي توقع تحت طائلة القانون، غير أن هؤلاء القادة أدلوا بتصريحات خطيرة ومثيرة، منها ما كان يوجب التحقيق والمساءلة والتحري حولها، من ذلك قول أحدهم أن البرهان رئيس مجلس السيادة مؤتمر وطني، ولكنه لم يوضح ما اذا كان ذلك الانتماء قبل الثورة أو انه مازال عليه حتى اليوم، وفي كلا الحالتين اذا صح هذا الاتهام يكون البرهان في الحالة الأولى قد خالف قانون الجيش الذي يمنع منتسبيه من الانتماء السياسي الصريح (ويبقى ما في القلب في القلب)، أما اذا مازال على ولائه القديم وهو يتسنم أعلى مرجعية في مؤسسات الفترة الانتقالية فتلك مصيبة المصائب، ومنها أيضاً قول هذا القيادي (الشعبي) أن النائب العام وقتها مولانا الحبر دولة عميقة، ومن الأقوال الخطيرة كذلك قول أحد هذه القيادات أن الأمين العام للشعبي علي الحاج ورئيس مجلس شوراه إبراهيم السنوسي المحبوسان بكوبر رفقة مخاليع النظام البائد، رفضا الاستجابة لطرح قدمته قيادات المؤتمر الوطني داخل السجن بتنفيذ انقلاب عسكري بالتنسيق فيما بينهم. وزاد بالقول أن النظام البائد لا يزال يحكم البلاد، وأن المكون العسكري هو من يؤمن الحماية لقادة الوطني، كاشفا عن ترتيبات تجرى ليصبح عبد الفتاح البرهان رئيسا للسودان عبر (انتخابات أو انقلاب)، ومضى مضيفا إن علي الحاج محجوزٌ إلى أجل غير مسمى بأمرٍ من المكون العسكري لممارسة ضغوط ومساومات على الشعبي، وأن اللجنة القانونية لمحاكمة المتورطين في انقلاب 1989 ليست سوى كومبارس يحركه العسكريون..وكل هذه التصريحات المذكورة آنفا كانت وما تزال غاية في الخطورة وللأسف لم يتوقف عندها أحد.. ومعلوم فضل ثورة ديسمبر على بروز شخصية البرهان، فهي التي حولته من عسكري يعمل في الظل الى رئيس لمجلس السيادة بحكم الأمر الواقع، ومعلوم أيضا الحلف الذي نشأ بين البرهان وحميدتي عندما جمعهما معا العمل في ملفين خطيرين، الملف اليمني بتنسيق إرسال جنود سودانيين إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، كما عملا معا في ملف حرب دارفور، ولهذا لا يثير أي استغراب تحالفهما الحالي وتناغم خطواتهما للاستيلاء على السلطة بمعاونة آخرين بالداخل والخارج، ولكن هيهات..