يبدو أننا نشهد عهد نهاية سيطرة النجوم الكبار على عالم الدراما الرمضانية في مصر، فبعد رحيل أحد أهم أقطاب الدراما في مصر -وهو النجم الكبير نور الشريف- عام 2015، يغيب في هذا العام أيضا كلٌّ من النجمين الكبيرين يحيى الفخراني وعادل إمام.
هذا الغياب وإن اختلفت أسبابه بين الموت والمرض والنزاعات الإنتاجية وتأميم المجال الفني المصري عن طريق شركات مملوكة لأجهزة أمنية، فإنه في كل الأحوال قد أدى في النهاية إلى ظهور جيل جديد يسيطر حاليا شيئا فشيئا، ويرث تركة عامرة كان أبطالها يحيى الفخراني ونور الشريف وعادل إمام.
اليوم نتتبع معكم صفات هذا العصر الذي نشهد نهايته، ونحلل أهم ما ميز الدراما التلفزيونية المصرية الرمضانية منذ نهاية الثمانينيات إلى اليوم، من خلال رحلتنا في مشوار هؤلاء النجوم الثلاثة.
يحيى الفخراني.. عصر الدراما الواقعية
في بداية الثمانينيات، قرر المخرج محمد فاضل أن يصنع مسلسلا عن الصيام كفريضة لا تتضمن فقط الامتناع عن الطعام والشراب ولكن أيضا عن السلوكات السيئة.
بحث فاضل كثيرا عن بطله، فلم يجد غير ممثل شاب في منتصف الثلاثينيات، يبدو ممتلئا كغالبية المصريين، كما يبدو وجهه بشوشا ومحببا لمن يراه للمرة الأولى. كان هذا هو يحيى الفخراني، خريج كلية الطب بجامعة عين شمس الذي اشتهر بأدواره المسرحية أثناء فترة الجامعة.
كان ظهور الفخراني عنوانا لتحول مهم في الدراما التلفزيونية. ارتبط المشاهدون بمسلسل “صيام صيام” وشعروا أن “صيام عبد الحميد” واحد منهم، صاحب مظهر واقعي وهموم واقعية. وهكذا بدأ الفخراني عصرا كان فيه رائدا للدراما التلفزيونية الواقعية ذات الجماهيرية الكبيرة.
في رحلة الفخراني تظهر بعض العلامات البارزة، نذكر منها رائعة أنور عكاشة “ليالي الحلمية” التي أدى فيها الفخراني دور “سليم البدري” الرجل الأرستقراطي الذي يمثل ما تبقى من عصر الملكية، في مقابل الطلاب والعمال والحرفيين الذين سيسكنون الحلمية فيما بعد.
استمر تعاون الفخراني مع عكاشة عقب ذلك، فقام الفخراني ببطولة “زيزينيا” حيث وجد فيه عكاشة معبرا عن الهوية المصرية التي تبقى معبرة عن نفسها مهما اختلطت دماؤها.
في نفس المدى الواقعي الاجتماعي أيضا، تعاون الفخراني مع المؤلف محمد جلال عبد القوي في التعبير عن هاجسه الدائم عن الصراع بين الإنسان والمال ومغريات الحياة، وذلك من خلال عدة أمثلة نذكر منها “نصف ربيع الآخر” و”الليل وآخره” و”شرف فتح الباب”.
استمرت سيطرة الفخراني كأهم أبطال الدراما المصرية في العقد الأول والثاني من الألفية الجديدة، حتى جاء توقفه بشكل مفاجئ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حينما أعلن عن توقف التحضير لمسلسله في رمضان هذا العام -الذي كان من المفترض أن يجمعه مع عبد الرحيم كمال والمخرج شادي الفخراني- نتيجة ما تم تسميته بمشاكل إنتاجية.
ليبقى في الأذهان أمر واحد، وهو عدم وصول الفخراني لاتفاق مرضٍ مع الشركة التي تحتكر الإنتاج والعرض التلفزيوني حاليا، وهي شركة إعلام المصريين المملوكة لأجهزة أمنية مصرية.
نور الشريف.. عصر الأبطال والتشويق
مشوار نور الشريف جاء أقصر قليلا من مشوار يحيى الفخراني، حيث بدأ بعد أن مهد نور لنفسه كنجم سينمائي في السبعينيات والثمانينيات، وعندها قرر أن يقتحم عالم الدراما التلفزيونية.
بدأ الظهور الحقيقي لنور الشريف من خلال مسلسل جماهيري تاريخي هو “عمر بن عبد العزيز” عام 1994، ومن يومها ونور يفضل أدوارا تحكي سيرة بطل، تحتوي حياته على مغامرة وتشويق.
نرى هذا من خلال رحلة صعود “عبد الغفور البرعي” مرة، ونراه في رحلة صناعة إرث في “الحاج متولي”، كما نراه في سيرة رجل يحمي أسرته ويحارب أعداءه في “الدالي”.
اهتم نور أيضا بالتشويق وحل الجرائم، ونرى ذلك في عدة مسلسلات أبرزها “الرجل الآخر” و”حضرة المتهم أبي”.
جاء توقف نور مفاجئا أيضا ولكن بفعل المرض، لينتهي بوفاته عصر شهد تنافسا فنيا رفيعا وممتدا بينه وبين الفخراني على عرش دراما رمضان.
عادل إمام.. التلفزيون يرث السينما
عادل إمام هو النجم السينمائي الأبرز والأنجح جماهيريا في تاريخ السينما المصرية، وهو الرجل الذي ظل متربعا على عرشها من منتصف الثمانينيات وحتى ثورة يناير، وبالتالي لم تأتِ هجرته إلى التلفزيون إلا ليعبر عن عصر إفلاس السينما المصرية.
عاد عادل إمام من خلال مسلسل سينمائي الطابع، جمع في بطولته عددا كبيرا من النجوم الشباب، وهو مسلسل “فرقة ناجي عطا الله” عام 2012.
مسلسلات إمام في السنوات السبع الأخيرة تسير على نفس المنوال تقريبا، حيث تحتوي على شخصية محورية كبيرة تحمل كل خيوط اللعبة في يديها، ويحيط بها مجموعة متنوعة من أصحاب الأدوار المساعدة، يبرز من بينهم بعض النجوم الشباب، كل هذا يضاف له خلطة مكررة من الكوميديا والدراما الاجتماعية التي يكتبها يوسف معاطي.
استمر هذا التواجد السنوي لعادل إمام في رمضان منذ ذلك الحين وحتى اليوم، ينجح تارة في اجتذاب المشاهدات ويفشل تارة أخرى، لكنه في كل الأحوال يحافظ على المقدار الذي يضمن له استمرار الحضور.
ليأتي التوقف وبشكل مفاجئ للغاية أيضا هذا العام، حينما أعلن المخرج رامي إمام عن توقف مسلسل “فالنتينو” من بطولة عادل إمام، والذي كان قد بدأ تصويره بالفعل، نتيجة خلافات إنتاجية لم يتم الإفصاح عن سببها.
وهكذا ينضم عادل إمام إلى يحيى الفخراني والراحل نور الشريف خارج دراما رمضان 2019، ليظهر بدلا منهم نجوم جدد لهذا العصر، أمثال أمير كرارة ومحمد رمضان، وليبدو أن عصر الدراما التلفزيونية الذي رسم ملامحه هؤلاء النجوم قد انتهى دون سابق إنذار.