احترنا مع الشرطة التي أصبحت مثل الطفل الفاسد المدلل الذي لا يقبل الأوامر ولا يسمع النصيحة ولا يجيد فعل شيء، ويقع في العديد من المشاكل ويتسبب في الكثير من الاذى لمن حوله، ولا تعرف هل تعاقبه أم تسترضيه أم تتجاهله، وعندما يكبر يصبح كارثة لنفسه وللآخرين !
* لم يجف بعد المداد الذي سكبته في الحديث عن الفوضى العارمة وسوء الخدمة في مجمعات الشرطة، حتى امتلأت الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بمأساتين جديدتين من مآسي الشرطة التي لا تتوقف ولا تنقطع بينما تتفرج الحكومة ورئيسها ووزير داخليتها، وكأنهم راضون عن ما يحدث أو عاجزون عن التصرف مثل أبوين أفسدا تربية أطفالهم ولم تعد لهما سلطة عليهم !
* المأساة الأولى، العنف الشديد الذي مارسته الشرطة يوم الثلاثاء الماضي خلال عملية تنظيم الاسواق والضرب غير المبرر للباعة والمتسوقين، واطلاق الغاز المسيل للدموع بغزارة عليهم وكأنهم أعداء لها، وهو ما تبخل به على عتاة المجرمين، بينما تتكرم به على المواطنين الأبرياء، لا يهمها أن يكونوا باعة او متسوقين أو طلاب علم داخل جامعاتهم، او موظفين في مكاتبهم، ولقد كنا في صحيفة (الجريدة) أحد هؤلاء الأعداء عندما تعمدت مجموعة من الشرطة اطلاق الغاز المسيل للدموع داخل أحد مكاتبنا لترغم العاملين فيه على الخروج وبينهم فتاة صغيرة في السن لجأت إلينا لحماية نفسها من المطاردة الشرسة والضرب المبرح، وكاد الدخان الكثيف يتسبب في كارثة لولا عناية الله، بالله عليكم هل هذا تصرف شخص مهمته حماية أرواح الناس وخدمة المواطنين أم تصرف مجرم عديم الرحمة والاخلاق؟!
وحدثَ ما هو أفظع في جامعة النيلين التي اقتحمت قوة مدججة من الشرطة حرمها الجامعي واعتدت على بعض الكليات ومجمع الادارة، ومارست عنفاً شديداً مع كل مَن و(ما) صادفته في طريقها واطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة، مما تسبب في وقوع العديد من الاصابات وسط الطلاب والموظفين، وتهشيم عدد من العربات، وإلحاق أضرار بعدد من مباني الجامعة التي كانت في ذلك الوقت تشهد انعقاد بعض الامتحانات بالإضافة الى المحاضرات اليومية المعتادة، وكأن الجامعة ساحة حرب أو وكر للعصابات، ولقد اصدرت عمادة الطلاب بالجامعة بياناً تدين فيه الاعتداء، وأعلنت عن “تشكيل لجنة قانونية بواسطة مدير الجامعة للتحقيق في الاعتداء واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وتدابير ومخاطبة وزارة الداخلية ومدير عام الشرطة لفتح تحقيق فوري ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الاعتداء على الطلاب وحرم الجامعة وتقديمهم للعدالة”، ولا شك أن مثل هذه الاعتداءات والسلوك الهمجي سيزيد الهوة وحالة عدم الثقة بين المواطنين والشرطة، ويقود الى حالة عداء بين الاثنين لا يريدها أحد!
* الواقعة الثانية، الاعتداء الشرس من بعض أفراد الشرطة أثناء إحدى الحفلات الغنائية على المطربة (مروة) واهانتها وإلقائها على الأرض وضربها بالعصي وإصابتها بكدمات قوية على الوجه والجسم انتشرت صورها على الوسائط، بما يقشعر له البدن، بالإضافة الى صدور حكم قضائي ظالم على المطربة نتيجة شهادة غير صحيحة استمعت إليها المحكمة من بعض أفراد الشرطة حسب بيان أصدرته المطربة التي لم ترتكب ما يستوجب الاعتداء والعقوبة، وحتى لو فعلت ذلك، فهل يجوز الاعتداء على مواطن بتلك الوحشية مهما كان الفعل الذي ارتكبه، أو المهنة التي يمتهنها، وهي وحشية لم تتكرم بها الشرطة على المجرمين، ولكنها تمارسها على الطلاب والطالبات والنساء والموظفين الآمنين في أماكن عملهم، كما حدث في جامعة النيلين والمكتب الفني التابع لصحيفة الجريدة، وحفل غنائي مشروع يؤمه جمع من المواطنين بدون ارتكابهم لأي مخالفة للقانون؟!
* الى متى يستمر التهاون مع الجريمة والمجرمين والتراخي في تطبيق القانون معه، في الوقت الذي يتم فيه الاعتداء على المواطنين الابرياء وانتهاك حقوقهم، واستمرار الفوضى العارمة وسوء الخدمة في مجمعات الخدمة، وامتناع القادة ووزير الداخلية عن ممارسة مسؤوليتهم في الضبط والربط والمحاسبة، ودور المتفرج الذي يؤديه ببراعة يحسد عليها الدكتور حمدوك وحكومته؟!
* إذا كان السبب في سلوك الشرطة هو الحزن على سقوط النظام البائد، فإن النظام البائد لن يعود، وسيظل الشعب حريصاً على ثورته ومكاسبه لن يتنازل عنهما أبداً لأحد او جهة مهما كانوا، ومن يعتقد أن الاعتداء على حقوق المواطنين سيمر بلا إدانة أو حساب او عقاب، فهو واهم وجاهل !