للذين يطالبون المواطن بالصبر على الازمات التي تحاصره من جميع الاتجاهات، لابد أن نذكرهم بصمتهم يوم إستوجب الكلام، فقد صمتوا حين إنتظرنا منهم الحديث، وبسبب صمتهم هذا والغتغتة التي مارسوها مع انفسهم ومع كبار المسؤولين، طال الفساد جميع مرافق الدولة ومن جميع الاتجاهات، ولعلنا نحن أيضا ساهمنا بشكل غير مباشر في هذا الفساد، حيث لم ندعَم أعمدتنا ومقالاتنا الصحفية في كثير من الاحيان بالاحصائيات التي تعضد المكتوب من معلومات، والسبب التكتم في تلك المؤسسات بطبيعة الحال، ربما يكون صمتنا مبررا لصعوبة خروج المعلومات من أضابير الوزارات ومرافق الدولة. ولكن صمت هؤلاء بالتأكيد يعود لخوفهم من مغادرة مواقعهم ونعيمها.
والفساد الذي نتحدث عنه ونشكو لطوب الارض من أبطاله الميامين، لم يعد أمرا سريا بعد أن عكست المقارنة بين دولتنا)الفقيرة(، والدول صاحبة أعلي اقتصاد في العالم. فقد اورد تقرير سابق أرقاما أكدت أننا في دولة لا يخاف القائمون علي أمرها الله في شعبهم، بعد أن نقارن انفسنا بدول تقل عننا مواردا طبيعية وبشرية، ولكنها تتفوق علينا فهما ووعيا وادراكا لمعني الوطنية والمسؤولية. وحتي لا نذهب بعيدا فلننظر لدول مثل ملاوي وزامبيا وزيمبابوي واثيوبيا.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة اكبر اقتصاد في العالم حتى الان، والتي فرضت علينا حصارا اقتصاديا لاكثر من 20 عاما، وظلت ممسكة بتلابيب العديد من الدول بجميع القارات، يبلغ حجم اقتصادها 16 تريليون دولار، ورغم ذلك يعمل في حكومتها الشرسة والمنظمة 14 وزيرا فقط، لعدد 50 ولاية معظمهم شباب، بينما نجد اننا في دولتنا الكسيحة اقتصاديا اكثر من 31 وزيرا بالسودان وأكثر من 40 وزير دولة و اكثر من 17 والي ولاية ومئات المعتمدين هذا بخلاف نواب الرئيس الاثنين والخمس مساعدين بإضافة المستشارين وتوابعهم و نواب البرلمان والمجالس التشريعية بالولايات ومعظمهم من الكهول والشيوخ…الخ.
وبحسبة بسيطة نجد أن السودان المترهل وظيفيا تجاوز حد الفساد المعروف عالميا ووصل لأقصي مداه إذا ما نظرنا الي مساحة السودان مقارنة بقارة كاملة ناهيك عن دولة بحجم قارة وهي الولايات المتحدة الامريكية والتي تسيدت إقتصاد العالم بعدد قليل جدا من الوزراء، وهذا يؤكد أن الفساد هو الحاكم الفعلي والمسيطر في السودان.
فبينما يتحايل نظامنا يوميا وكلما اراد تمرير اجندة معينة يبدأ البحث عن )تعديلات في الدستور(، ويسعي ويجتهد ويصرف المليارات في سبيل تحقيق هذه الغاية، وفي الوقت الذي ينص الدستور الياباني علي أن الحد الاقصي للوزراء هو 17 وزيرا فقط بينما نجد دستورنا اطلقها لتكون ) من 30 وزيرا والي ما لانهاية(، هذا الترهل الوظيفي لم يقابله أي إنجاز يمكن أن يشفع لهذه الحكومة.
مشرعو الدستور السوداني حرموا المواطن التمتع بحكم ديمقراطي شفاف أسوة بمعظم دول العالم والتي ينص دستورها علي تحديد فترة ثماني سنوات فقط لحكم الرئيس لا يتم تجديدها، ولا يوجد تلاعب وتحايل علي تعديلات الدستور حسب أمزجة القادة كما يحدث في دولتنا ومعظم الدول الافريقية.
الصرف الهائل علي مرتبات وبدلات ونثريات الجيوش الجرارة من قيادة الدولة إلى الوزراء ووزراء الدولة والولاة والمعتمدين والمستشارين والمساعدين ومدراء المكاتب وغيرهم من المسميات يجب ان يجد الحسم من قبل المواطن وحده لاغير. فالصفوف الممتدة بحثا عن أساسيات الحياة يجب أن توازيها صفوف أخرى مطالبة بحقها في حياة طيبة، حرة كريمة.