أخشى ما أخشاه أن لا تجد مبادرة رئيس الوزراء حمدوك، الموسومة (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام) التي طرحها الأول من أمس، أن لا تجد المباركة والتوافق المطلوب لانجاحها، بأن تدور حولها ذات الخلافات والتشاكسات التي وسمت أداء مختلف مؤسسات الانتقال، فيستيئس تبعا لذلك حمدوك من اصلاح الحال، ويستدعي المقولة التاريخية للزعيم المصري سعد زغلول (مفيش فايدة غطيني يا صفية)، فيقول لزوجته الفاضلة منى (مفيش فايدة غطيني يا منى)، ويتقدم باستقالته ويحزم حقائبه عائدا الى حيث أتى، فالسيد حمدوك لم يترك في مبادرته زيادة لمستزيد أو متزيد في تشريح الأزمة السياسية المتطاولة، والتحديد الدقيق للتحديات التي تعترض مسار الانتقال، والتي أجملها في الوضع الاقتصادي والترتيبات الأمنية والعدالة والسيادة الوطنية والعلاقات الخارجية واستكمال السلام وتعدد مراكز القرار وتضاربها والوضع الأمني والتوترات الاجتماعية والفساد وتعثر إزالة التمكين وبناء المؤسسات، والانقسامات داخل الكتلة الانتقالية وعدم وجود مركز موحد للقرار وغياب الأولويات والتصور المشترك للانتقال، والنزاعات متعددة الأوجه (نزاع مدني مدني – نزاع مدني عسكري– نزاع عسكري عسكري وهو الأخطر)..وازاء هذه الصورة القاتمة لمجمل الأوضاع في البلاد، بدا لي أن السيد حمدوك لما (أعياه النضال) في كل هذه الجبهات، فكر وقدر واستقبل من أمره ما استدبر، فقرر أحد أمرين اما هذا (المبادرة) أو المغادرة، ولكن بطبيعة حال أحزابنا الذي يطابق حال آل البوربون الذين لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا، تبدو لي المغادرة هي الأقرب، و(فال الله ولا فالي)..
ليس خافيا على أحد أن البلاد تحيطها الازمات الخانقة احاطة السوار بالمعصم، وهي أزمات متداخلة ومتراكبة (سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية)، كما أنها تعاني انسدادا على كافة الاصعدة، ويختلط حابل أي أزمة بنابل الأخرى، مما جعل الحكومة تدور مع هذه الأزمات مثل (الدابي الراسو مقطوع) يدور بلا وجهة محددة، ومع كل هذه (الجوطة والزيطة والزمبريطة) السياسية، مطلوب من الحكومة مقاومة وحلحلة هذه الأزمات العويصة وذلك هو المستحيل عينه، وبالطبع لن يستطيع كائنا من كان فعل شئ من داخل هذه المتاهة، لابد لأحد أن يخرج منها ليرسم طريق الخروج من المتاهة، وهذا ما فعله حمدوك بمبادرته المذكورة، ذلك أن هذه المتاهة التي نتخبط داخلها لم تتسبب فيها كائنات فضائية، ولا متآمرين خارجيين ولا حتى فلول من الداخل، إنما هي للأسف الشديد من عمايل وفعايل بعض ممن يفترض أنهم حماة الثورة وحاضنة الحكومة الانتقالية وشركاء الانتقال من مدنيين وعسكر، ولهذا وكما ذكرنا في البدء على سبيل الاحباط والتشاؤم، عبارة سعد زغلول (مفيش فايدة غطيني يا صفية)، فمن باب الأمل في اصلاح الحال وبأعجل ما يمكن، نذكر عبارة زغلول الأخرى الشهيرة (الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة)، ونضيف اليها وفوق الاحزاب والتنظيمات، فباب الأمل في العبور مازال مشرعا اذا ما تحلينا جميعا بروح المسؤولية وأعلينا من قيمة الوطن ونبذنا الانانية والمصالح الضيقة الحزبية والشخصية، سنتجاوز هذا المأزق المرعب، فغيرنا من الدول (رواندا مثالا) عانت بأكثر مما نكابده الآن، غير أنها بوعي ساستها ونخبها ووحدة جماهيرها صارت اليوم نموذجا لكيف يمكن أن تنهض دولة من تحت الرماد والحريق..فهل هذا عصي علينا..