* طبيعي جداً أن يتعالى الصراخ، ويتنوَّع النَواح، وتتعدَّد أشكال )الولَولة(، كرد فعلٍ طبيعيٍ ومتوقع، على حملة التخلص من المؤسسات الراكدة، والهيئات الفاسدة، والكيانات الرسمية الزائدة عن الحاجة.
* علَّمتنا قوانين الفيزياء أن لكلِ فعلٍ رد فعل، وقد أتى ردُّ الفعل سريعاً، بأنينٍ متصل، صدر من بعض الذين يريدون لهذه الدولة المنكوبة أن تستمر في هدر مواردها، حتى بعد أن وصلت حافة الإفلاس، وعجزت عن توفير أبسط الاحتياجات للمواطنين.
* يجب على هؤلاء الموجوعين المولولين، أن يستوعبوا حقيقةً مُهمةً، مفادها أن الضرع الذي ظلوا يحلبونه ويرضعونه لسنواتٍ طويلة جفَّ، حتى درَّ الدم بدلاً من الحليب، ولم يعُد يحوي ما يُغري بمواصلة الرضاع.
* شاءوا أم أبوا، فقد حان موعد الفطام، و)مفطوم الرِضاع ما بسكتوا اللولاي(.
* مسيرة الإصلاح التي ابتدرها رئيس الوزراء الجديد لا تقبل التبديل، لأن بديلها الأوحد هو انهيار الدولة، بعد أن أفلست خزائنها المستباحة، بفعل الترضيات، وسياسات استرضاء المُعارضين، وتسكين الموالين في وظائف مغرية، بمخصصاتٍ ضخمة، وميزانيات مهولة، تُنفق على مؤسساتٍ حكومية فاشلة، لا تعود على الوطن بأي نفع أو فائدة.
* مؤسسات خاملة وفاسدة، يقودها مُنعَّمون يتم توظيفهم بعقودٍ خاصةٍ، تحوي امتيازات مغرية، وينصُّ غالبها على إعفاء أصحابها حتى من تسديد الضرائب، كي تدفعها الدولة بالإنابة عنهم.
* نشرت الصحف قبل عُدة سنوات عقد مدير إحدى المؤسسات الحكومية، وهال الناس ما احتواه من امتيازات، منها راتب شهري يبلغ )18( ألف جنيه، كان يساوي وقتها أكثر من ستة آلاف دولار، بخلاف بدل لبس قيمته )72( ألفاً، وبدل إجازة قدره )90( ألفاً، وبدل عيدين )90( ألفاً، وعلاوة سنوية تساوي في حدها الأدنى )270( ألفاً، وتذاكر سفر سنوية وعلاج مجاني له ولأفراد أسرته، كما نصَّ على سداد مصروفات المياه والكهرباء والهاتف الشخصي، وإعفاء من سداد الضرائب، التي تدفعها الدولة بالإنابة عن صاحب العقد الثمين.
* تذكرت ذلك العقد الضجَّة، عندما طالعت عقداً من ذات الفصيلة، يربط مدير شركةٍ حكوميةٍ، أعفاه أيلا مؤخراً، ونصَّ على راتب شهري قدره )38( ألف جنيه، وبدل سكن قيمته )114( ألفاً، وبدل حافز قدره )152( ألفاً، وحافز آخر )ساي كدة( قدره )76( ألفاً، بخلاف أربع تذاكر سفر سنوية لأي دولة عربية، وبدل سفرية بحسب لائحة مجلس الوزراء في الرحلات الخارجية، و)400( جنيه نثرية يومية لكل مهمة داخلية، وبديل نقدي وبدل لبس سنوي، قيمته )228( ألف جنيه!
* عندما حسبنا قيمة البدلات والمخصصات السنوية التي ينالها المدير المُقال وجدناها تساوي مرتبات )24( شهراً، بخلاف الراتب الأصلي!
* ترى كم يبلغ عدد العقود المماثلة، التي ما زالت ساريةً في مؤسسات عامة مشابهة؟
* هل أفلست هذه الدولة من فراغ؟
* علَّل بعض المتباكين على حل المؤسسة السودانية للنفط احتجاجهم بأن القرار سيؤدي إلى توقف العمل مع مؤسسات عالمية، لديها سابق التزامات مع السودان في مجال البترول، وأن تلك الجهات لم تعرف مع من تتواصل، بعد الحل!
* لو صحّت مزاعمهم فإنها ستوفر مسوغاتٍ جديدةً، وأسانيد إضافية، تُعزِّز صحة القرار، إذ كيف يدَّعُون أن حل تلك المؤسسة المتخمة سيعطِّل العمل في مجال البترول، بوجود مؤسسة اتحادية كاملة تحمل مسمى )وزارة البترول(؟
* بما أن رئيس الوزراء لا يستطيع أن يحل الوزارة، فمن الطبيعي والمنطقي، بل واللازم أن يزيل المؤسسة التي سلبت الوزارة مهامها، وتعدَّت على اختصاصاتها، كي يُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
* الأمر نفسه ينطبق على الشركة السودانية للموارد المعدنية، التي نرجو لها أن تلحق مديرها المُقال في القريب العاجل، كي تعود صلاحياتها وميزانيتها ومخصصاتها الضخمة إلى وزارة كاملة، تحمل اسم )المعادن(.
* انتهى عهد الرضاعة الرسمية، وعلى كل صاحب حنك سنين، وكل مُنعمٍ استكان إلى دعَّامة التمكين، أن يجتهد في كسب رزقه اعتماداً على كدِّه واجتهاده ومؤهلاته الذاتية، ومن يعجز عن ذلك فعليه أن يمتص ويستدين.. من سنامه السمين!