معتز ومنشور إعداد موازنة
أعجبتني الإجراءآت التقشفية التي ابتدرها رئيس الوزراء معتز موسى في إطار المعالجات الكلية لأزمة الاقتصاد السوداني والتي أعلن عنها في منشور إعداد مقترحات موازنة العام القادم )2019( .
بالرغم من أن إعمال تلك الإجراءآت قد تأخر كثيراً إلا أن إعلانها ، وإن جاء متأخراً ، يزيد من جرعة الآمال العراض المعلقة على معتز .
أود أن أعلق في هذا المقال على بعض النقاط التي وردت في ذلك المنشور فعلى سبيل المثال فقد نصت الفقرة الخاصة بالبنود الممركزة فيما يتعلق بالوفود والمؤتمرات والضيافة الرسمية ، نصت على ضبط تذاكر السفر وتحديد وتسمية درجاتها وفق القرارات الصادرة من مجلس الوزراء بحيث يسافر الوزراء ووزراء الدولة على الدرجة الأولى بينما يسافر الوكلاء على درجة رجال الأعمال.
هل يعلم الأخ معتز موسى أن بروف إبراهيم إحمد عمر رئيس الهيئة التشريعية القومية بمجلسيها )الوطني ومجلس الولايات( اتخذ قراراً قبل نحو عام بأن يسافر على الدرجة السياحية؟!
عقد بروف إبراهيم قبل سفره لحضور اجتماع الاتحاد البرلماني الدولي بجنيف اجتماعاً لقيادة المجلس الوطني المكونة من نواب الرئيس ورؤساء اللجان – وهم بدرجة وزراء مركزيين – وطرح مبادرة تقشفية تراعي الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعاني منها المواطنون والتي تقتضي أن يتفاعل معها المجلس الوطني باعتباره المعبر عن الشعب والممثل له لدى أجهزة الدولة.
تقرر في ذلك الاجتماع أن تسافر جميع قيادة المجلس ودستوريوه بمن فيهم الرئيس الذي يرأس السلطة التشريعية القومية الموازية بل والرقيبة على السلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الجمهورية أن تسافر بالدرجة السياحية.
جادل بعض رؤساء اللجان بروف إبراهيم أحمد عمر خلال الاجتماع في أن سفره بالدرجة السياحية ينتقص من مكانة وسمعة السودان بالنظر إلى أنه عندما يترجل من الطائرة يستقبله نظراؤه في البلد الآخر بالقرب من سلم الدرجة الأولى وسيكون محرجاً وربما مسيئاً للسودان أن يجدوه أمام سلم الدرجة السياحية، لكن الرجل أصر في نبل وزهد يشبهانه على موقفه، وسانده بعض رؤساء اللجان بقولهم إن ذلك يشرفه ويرفع قدره وقدر بلاده.
كانت كلفة تذكرة الطائرة على الدرجة الأولى تبلغ حوالي )90( ألف جنيه بينما تبلغ تذكرة الدرجة السياحية حوالي )20( ألف جنيه.!
تخيلوا ما يمكن أن توفره جميع أسفار قيادات المجلس الوطني في العام الواحد جراء ذلك القرار بل ما يمكن أن يوفر لو طُبق على مستوى الحكومة المركزية والحكم الاتحادي بولاياته كلها وإذا أضيف إلى ذلك جميع الأجهزة والمؤسسات والشركات الحكومية.
أني لأرجو أن يفعلها معتز ولو من خلال الاستعانة بالرئيس لتعميمها على ما يتجاوز صلاحياته، وأنا على يقين أن مجلس الوزراء سيُجيزها بذات الصورة التي أجيز بها القرار في المجلس الوطني بل أني أرى أن مبلغ الإعاشة في الأسفار الـPer diem كبير للغاية وينبغي أن يُخفض إلى النصف وكذلك النثرية.
حدثني رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني الأستاذ علي محمود والذي شغل منصب وزير المالية في وقت سابق أن أحد الوزراء المصريين قال له إن الحكومة حددت للواحد منهم ثلاثة أسفار رسمية خلال العام كحد أقصى أما هنا فإن الوزير يلبي كل الدعوات حتى ولو كانت لمناقشة )ظاهرة التبرز في العراء(! أو حتى لو لم يحضر الدعوة إلا بضعة وزراء من شتى دول العالم، وحتى لو كانت المناسبة لا تستحق حتى مشاركة السفير الذي كثيراً ما )يريس ويتيس( ويلغى دوره وكأنه ليس جديراً حتى بالمشاركة في مؤتمرات التبرز في العراء.
عندما كنت أعمل في أبوظبي في منصب قيادي )Senior staff( في إحدى أكبر شركات الاتصالات خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي كان المبلغ المخصص لعلاج الموظف القيادي وأسرته في العام محدداً بحد أقصى وحتى لا يذهب الموظف للطبيب في أية علة مهما صغرت ولو كانت صداعاً ، يلزم الموظف المريض وأسرته بسداد ربع الفاتورة ولا تعالج الأسنان ولا تتضمن الفاتورة النظارات الطبية وقد ورثت الشركة هذا النظام من إحدى الشركات البريطانية الكبرى وهي Cable and Wireless ، أما في سودان العجائب فإن الفاتورة تشمل كل قيمة العلاج وبلا حدود وليت معتز يطلب كشفاً بكلفة بند العلاج وسيرى عجباً .
المنشور محتشد بضوابط ممتازة نرجو أن تجود من خلال مناقشة التفاصيل التي ينفذ منها الشيطان وربما أعود بحول الله.