أدارت صحيفة السوداني نهار أمس حوارا موضوعيا بين رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى ومجموعة كبيرة من الصحافيين: رؤساء تحرير الصحف، كتاب الرأي، رؤساء الأقسام الاقتصادية، ومديري القنوات الفضائية.
رغم اضطراب الأجواء، وحالة الاصطفاف والاستقطاب الحاد وتبادل الاتهامات بين الشارع المحتج والحكومة؛ لكن كان اللقاء مع السيد معتز موسى مختلفا من حيث تقبّله للنقد والهجوم من قبل الصحافيين.
قد لا يرى البعض نتائج ملموسة في أحاديث المسؤولين هذه الأيام، وأنها مُكرَّرة ومُتشابهة في تحليلهم للأزمة وطريقة الخروج منها. غير أن حوار الأمس كان شفافا، حاول معتز موسى من خلاله أن يؤكد على مضي الحكومة في الإصلاحات التي قطعت بها الوعود قبل الاحتجاجات الأخيرة.. وإن كان من إشادة لهذا الرجل هو هدوءه وعدم الاستجابة للاستفزاز والخروج عن اللغة الرصينة التي يتمتع بها دون سواه من قيادات حزب المؤتمر الوطني.
عبر مداخلات الصحافيين استمع إلى ما يدور في الشارع العام وهو أمر غير خفي ومعلوم، لكن محاولات التعتيم والتشويش من قبل الإعلام الرسمي كوادر حزب المؤتمر الوطني، تظل دوما تقلل من واقع حال احتجاجات المواطنين وما يشهده الشارع من احتقان وتوتر.
صحيح أن اعتراف معتز موسى بتوصيف الاحتجاجات الحالية ليس جديدا، فقد ذكر من قبل أنه حراك اجتماعي مشروع للمطالبة بالخبز والوقود والنقود.. لكن الصحيح أيضا أن الحكومة ما زالت تتعامل مع الاحتجاجات بهذه الكيفية.. على سبيل الرسالة وصلت.. والاعتقاد أن توفير هذه المواد من المفترض أن يهدئ الشارع. لذلك تعاملت الحكومة بنظرية إطفاء الحرائق ولم تأبه بارتفاع سقف المطالب الذي بلغ رحيل النظام، وهو ما لم تستوعبه الحكومة حتى الآن ولم تجد طرقا لمناقشته إلا عبر دعوة الشباب للتحاور.. أعتقد أن الحكومة محتاجة أن تتحاور مع المواطن السوداني وليس فقط قيادات الشباب المحرك لتجمع المهنيين؛ فالقضية ليست كما تظن الحكومة بأنها قضية شباب يبحث عن فرص عمل وامتيازات مقابل المواقف.
سعر الصرف وارتفاع الدولار في السوق الموازي.. مشكلة الكاش والوعود بحلها في موعد محدد.. رفع الدعم عن الخبز الوقود، أخذت زمنا مقدرا من النقاش.. معتز قال إن مسألة الدعم لا مساومة حولها لأنه ليس من المنطق أن تدعم الحكومة الوقود لعربات اللاندكروزر في الخرطوم بينما أصحاب الدواب في المناطق النائية يشترون العلف دون أن تُقدَّم لهم الحكومة دعما مع مقارنة أن أصحاب الدواب هم منتجون سواء في الزراعة أو الثروة الحيوانية.
نظريا يعتبر ما قاله معتز موسى كلام سليم وموضوعي؛ لكن عمليا هو حديث سياسيين لتبرير مثل هذه القرارات الخاصة برفع الدعم. الواقع يقول إن أي زيادات في أسعار البنزين تحت مبررات رفع الدعم ستؤدي إلى ارتفاع السلع الأخرى رضينا أم أبينا. هذا طبعا غير الجازولين الذي يؤدي رفع الدعم عنه إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.
من المهم أن تعلم الحكومة أن التوقيت غير مناسب لاتخاذ قرارات برفع الدعم لا عن الخبز ولا المحروقات. وعلى متخذي القرار قراءة الوضع السياسي قراءة سليمة من واقع ما يمكن أن يقود إليه ذلك من ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وآثار غير مأمونة العواقب.