أخيراً توصلت قوى الحرية والتغيير إلى اتفاق مع المجلس العسكري بعد ثلاثة أشهر من سقوط البشير، ومع أنه كان يمكن حسم هذا الأمر من البداية، إلا أن طمع المجلس العسكري في الفوز بكل السلطة وإصرار قادة قوى الحرية والتغيير على تحقيق كل المطالب مرة واحدة جعل الأمور تسير إلى غير ما يتمنى الشعب، أسوأ ما فيها المجازر غير المبررة التي ارتكبها في حقه.
لا شك أن الأمر لم ينتهِ عند هذا الاتفاق، فما ينتظر الطرفين أصعب بكثير، وما يجب أن يفهمه الجميع أن الشعب السوداني لم يعد ذلك الشعب الذي سكت على الإنقاذ حتى أكملت ثلاثة عقود، وسيشرف على المرحلة الانتقالية أجيال جديدة نبهتها تلك الفترة المريرة المليئة بالكذب والخداع والفساد والتجارة بالدين والأخلاق والقيم الإنسانية، أن لا سبيل لحياة أفضل إلا حين يقف الشعب على حقوقه.
المرحلة القادمة ستكون أكثر صعوبة لأن السودان سيبدأ فيها من نقطة الصفر وكأنه دولة تولد لأول مرة، تحتاج إلى بناء مؤسساتها السياسية والاجتماعية والعسكرية والقانونية التي هُدمت خلال فترة النظام المخلوع، وتحتاج إلى إعادة تأهيل الشعب ليتعافى مما تعرض له من قهر وذل ولضمان حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وضع أساس متين لدولة طبيعية تستطيع أن تنمو وتتطور كما هو حال دول العالم كلها.
الفترة القادمة ستكون أكثر صعوبة لأن هناك جراحاً عميقة خلَّفها النظام المخلوع لا بد من إعادة فتحها وتطهيرها حتى تبرأ مع نهاية الفترة الانتقالية ويتعافى منها السودان، كما إن ما حدث من المجلس العسكري أدى إلى خلق حاجز نفسي بين الجماهير والجيش وكل المؤسسات العسكرية تحتاج إلى أن تعمل جميعها على إزالته لتفتح صفحة جديدة.
الآن مطلوب من الشعب أن يكون رقيباً على الحكومة المدنية والمجلس السيادي وأية بوادر فساد تظهر يجب أن يواجهها على الفور بضغوط شعبية حتى يسقط الفاسدين وتعالج مواطن الفساد فوراً، ويجب أن يتعاون الشعب مع الحكومة ويشارك بفاعلية وإيجابية.
نخشى ما نخشى الآن أن لا تمضي الأمور إلى نهايتها حين يأتي وقت نقاش التفاصيل التي أجلت للنقاش حولها وكما يقولون الشيطان في التفاصيل، نرجو ونتمنى أن تسير الأمور بسلاسة وتوافق ونرجو أن يقدر المجلس العسكري أن أية محاولة من أية جهة لتعطيل عجلة التغيير أو توجيهها ضد رغبة الشعب ومصلحته سيقابلها بالحسم، نقول مبروك ولكن لن تكتمل الفرحة إلا حين يقاوم الطرفان شيطان التفاصيل ويتفقان على كل شيء.