في كل المراحل الدراسية التي مررنا بها كانت شخصية المعلم هي دائماً المحك الرئيس في هدوء الصف والتزام الصمت وكتابة الواجبات وحتى استيعاب الدرس.
فالمعلم صعب المراس قوي الشخصية يجبر التلاميذ على مهابته واحترامه حتى قبل أن ينبس ببنت شفة .
وبالمقابل فإن المعلم الضعيف مهزوز الشخصية يكون عرضةً لـ (حقارة) الجميع حتى طيش الفصل، فتكثر في حصته (الونسات الجانبية) والضحك، وناس (ماشي أشرب موية) ونسيت الكراس، وما حليت الواجب، في الوقت الذي يدخل فيه البعض بعد بداية الحصة ويغيب آخرون حتى عن تسجيل الحضور .
ما يحدث في الراهن السياسي يشبه تماماً الهرجلة في الصف الدراسي، المجلس العسكري الضعيف يشبه تماماً الأستاذ ضعيف الشخصية، والذي لا يستطيع السيطرة على مجريات الأمور والعبور بالبلاد إلى بر الأمان .
هرجلة وكواريك وناس طالعة وناس داخلة وناس ما كتبت الواجب وآخرون في حالة ونسة جانبية، زرافات وآحاداً، والمجلس العسكري كلما التفت ليكتب شيئاً على السبورة تزيد الهرجلة والضحك وتبادل المقاعد والكراسات من خلفه، الجميع (يشف) من كراسة أول الفصل، ينقلون أفكاره ويغشون في الإجابات.. ليس ذلك فحسب، بل أن البعض حمل حقيبته وغادر الصف دون حتى إذن انصراف.
الآن الأخبار تتحدث عن مغادرة العباس شقيق الرئيس المخلوع إلى تركيا، ولكن الأخبار أيضاً تقول إن الرجل غادر بالبر الى أديس عشية الانقلاب، فهل كان يعلم الرجل بالانقلاب أم أن المجلس العسكري انشغل بالكتابة على السبورة وترك مراقبة الصف، فغادر العباس ومعه الكثيرون من الطلبة المشاغبين.
إن ما يتعامل به المجلس مع فلول النظام البائد لا يشبه بأي حال الانقلاب العسكري المتعارف عليه، لأنه حين يكون الانقلاب انقلاباً فعلياً يكون حرص الانقلابيين أكثر من غيرهم على اعتقال بقايا النظام البائد خوفاً من أن يجمعوا صفوفهم ويعاودوا الكرَّة .
ولكن الواقع يقول عكس ذلك، وفي كل يوم يشعرنا المجلس العسكري بأنه في وادٍ غير وادينا، هرجلة وتخبط وعشوائية، رغم أن الموضوع لا يحتاج إلى كثير فطنة، أعضاء المكتب القيادي، الولاة والوزراء والسفراء الكيزان، التنظيمات الأمنية المشبوهة والأقرباء من الدرجة الأولى، المشروعات والشركات والمؤسسات والدور والقصور والأرصدة، حظر للسفر في المطار وعلى الحدود …. بس انتهينا.. هذا أمر ينبغي أن يكون الجدل فيه محسوماً منذ لحظة إذاعة البيان .
شنو كل يوم نسمع باعتقال فلان وهروب علان، وكل واحد يقول للمجلس ماشي أشرب موية وراجع؟!
خارج السور
إذا كان المجلس العسكري لا يستطيع حتى ضبط المحظورين وإيقافهم عن السفر، لماذا يصرُّ على حشر نفسه في الحكومة المدنية؟!