نقول لمن دخلوا عبر بوابات المُحاصصة للجلُوس في مقاعدِ الحُكم أو لمن يطمح في الدخول إليها عبر أي بوابة مُشرعة أخرى أو نافذة، أنّ الفعل السياسي الناجح يحتاج إلى (مؤسسة) مُحترمة يلتف حولها الجميع، تضع الخُطط وتتابع تنفيذها، ويحتاج من يُشارك فيه إلى فهمٍ عميق يُنافي (السذاجة) للغوص به في ماضي الدولة السياسي لمعرفة تبعاته على الحاضِر، ومن ثم العمل بهدوء مع (الجماعة) لتجنُّب أخطاء الماضي للصعود إلى غدٍ بلا شك لن نصعد إليه بنفس الأدوات القديمة الهشّة التي استخدمها من سبقوكم ولم يصلوا، ومن تركونا في مربع البؤس الكئيب ورحلوا.
نُذكِّر الدكتورة مريم المُمسكة بملف العلاقات الخارجية بأنّ العلائق (بين الدُول) لا تُبنى بالعلاقات الخاصة والصداقات الودية بين الأفراد، ولكُل دولة سياساتها المبنية على مصالِحها لا على علاقات الأفراد، ولو كان الأمر كذلك لما تنكّر القذافي الصديق الشخصي لوالدك الإمام الصادق عليه الرحمة، وأوقف دعمه له بسبب رفضه عندما كان رئيساً للسودان استخدام الجيش الليبي لدارفور لضرب الجارة تشاد، تناسى القذافي صداقته مُتعمداً بالصادق، واتجه مباشرة لدعم جون قرنق عسكرياً ومالياً لزعزعة نظام الحُكم الديمقراطي، بل ودعم لاحقاً ثورة الإنقاذ وتصدّر قائمة الرؤساء الذين اعترفوا بها.
مالكُم كيف تحكمون..؟
أرسلت الدكتورة مريم رسالة عتاب غير مُباشرة لرئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد، بعد أن تحوّل أمر السد عنده إلى تعبئة سياسية شعبية في أثيوبيا لغرض الانتخابات القادمة، وما من عاقلٍ في أثيوبيا لا يدعم السد يا دكتورة لفائدته العظيمة على بلادهم، ولفائدة أبي أحمد ورفاقه من السياسين باعتباره انجاز يُحسب لصالحهم، بصرف النظر عن من المُتضرر من الدول الأخرى، وترى مريم انّ أبي أحمد لم يعمل حساب لتلك العلاقة (الخاصة) التي تربطه برئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، وقد استمر بلا مُراعاة لهذه العلاقة في تشييد وملء السد، ولم يُكلِّف نفسه رفع سماعة الهاتف لاخبار صديقه حمدوك بملء السد الأول، وبالطبع لم ولن يفعلها في الملء الثاني، ولنفترِض أنّه اتصل وضحك وقهقه مع صديقه الحميم فهل تُوقف أثيوبيا العمل في السد عشان خاطر العلاقة الخاصة بين حمدوك وأبي أحمد.
صاحبي وصاحبك يا ستي لا علاقة لها بالعلاقات الدولية ومُصالح الدول، فاتركوا ما يربط بينهما من علاقات شخصية، وابحثوا بجدٍ واجتهاد عن مصالح السودان، ومهام وزارتكم الرئيسية تتمثّل في تمتين العلائق بين السودان وأثيوبيا وغيرها لا لتمتين علاقة زيد بعبيد، وقد أصبح سد النهضة بالنسبة لأثيوبيا مشروعاً استراتيجياً لا مكان فيه للصُحبة بين الأفراد، فلن يُجدي البُكاء والنواح، والمطلوب اليوم لتجنيب البلاد خطر السد وتبعات الملء الثاني بدلاً عن مثل هذا الكلام الفطير أن تجتهدوا في الوصول بسرعة إلى اتفاق (دولي) مُلزِم لجميع الأطراف ذات الصلة، حتى لا تتضرّر بُلداننا من السد وقد أصبح واقعا.