لاشك أن مؤتمر الاستثمار في السودان الذي انعقد بالعاصمة الفرنسية باريس حقق نتائج إيجابية ، وتحصل السودان عبره على تعهدات وإعفاءات من ديون ثنائية بقيمة 30 مليار دولار، جاء ذلك بجانب فوائد استثمارية كبيرة ، حيث تعهدت دول وشركات وهيئات تمويل بالاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني، وعلى رأسها الطاقة والزراعة ومشروعات البنية التحتية وغيرها من المشروعات هذا اقتصاديا ، كما كان للمؤتمر نتائجه السياسية المبهرة ، لكونه كان نافذة عالمية أطلت عبرها الثورة السودانية من جديد على العالم ، لتؤكد تمسكها وحرصها على تحقيق شعاراتها المتمثلة في السلام والحرية والعدالة ، وانها ثورة الكفاح المستمر نحو طريق الديمقراطية والتغيير الذي زُهقت لأجله ارواح الشهداء الطاهرة ، وضح ذلك جلياً في كلمات المؤتمر ، لرئيس الوزراء وممثلي شباب الثورة ،كما اكدت كل الدول احترامها للتحول الديمقراطي ودعمها ومساندتها للشباب ولخيارهم – خيار المدنية- زد على ذلك ان المؤتمر كان من اكثر المؤتمرات ترتيبا وتنظيما ونجاحاً مقارنة بغيره ، وهذا يعود الى التنظيم المميز من قبل دولة فرنسا واهتمام رئيسها إيمانويل ماكرون بالمؤتمر ،وماقام به ابناء السودان المسئولين عن تنظيم المؤتمر ، الذين بذلوا جهودا جبارة تستحق الوقوف عندها.
المؤتمر كان منبراً عالمياً جيدا، عبرت الدول المشاركة فيه عن احترامها لثورة ديسمبر ، وأبدت حماسها لدعمها الثورة ودعم الانتقال الديمقراطي بالسودان ، وكل الكلمات الرسمية التي ألقيت في المؤتمر ركزت في جانب كبير منها على الجانب السياسي من العملية الانتقالية والربط بين نجاحها مع استعداد الأسرة الدولية والأطراف المانحة لمساعدة السودان على مواجهة التحديات الاقتصادية وإحساس الدول المشاركة بقضايا وهموم السودان ، ورغبة تعاضدها معه ، وكشفها عن احترامها له ولشعبه وثورته المجيدة ، هذه المشاعر ، تؤكد ان السودان استطاع فعلاً ان يستعيد مكانه الحقيقي الذي فقده لعقود من الزمان وان ماحدث ايضا تحصد فيه الحكومة مزيدا من النقاط في مايتعلق بالملف الدولي وجهودها في اعادة السودان الى المجمتع الخارجي ليتبوأمقعده وسط دول كبرى وعظمى جاءت لتقف بجانبه ،وقت الشدة ، ولخصت كلمة رئيس مجلس الوزراء كثير من المعاني والمفاهيم عندما قال : إن السودان يأتي بالأمل، لنجاحنا تأثير كبير في المنطقة بأكملها ، السودان بلد غني جداً ، لا نريد منح ، نريد استثمارات و أضاف نحن بحاجة إلى وقف النموذج الذيّ ورثناه من الاستعمار القائم على المواد الخام، و العمل على إضافة قيمة لصادراتنا لأجل توفير وظائف بالقطاع الصناعي لشبابنا، فبدلاً من قيامهم بهذه الرحلة الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط ، يبقون معنا و يطورون البلد معنا).
بالتأكيد ان لهذه العبارات وقعها على اذان الممثلين للدول المشاركة في المؤتمر ولها قيمتها للتعريف بأن السودان ليس دولة فقيرة تتسول المنح والهبات ولكنها تفتح ابوابها مشرعة للاستثمار الخارجي الذي أُغلقت ابوابه عقولا مغلقة ، فالمؤتمر خطوة ايجابية نحو تحقيق أهداف سامية وعميقة ترمي الى النهوض بهذا البلد اقتصاديا ، علها تطوي معاناة طويلة لإنسانه او تكون سبباً في فتح آفاق جديدة مثمرة ومعلوم ان اكثر مايثقل كاهل الاقتصاد السوداني هي تلك الديون التي تركتها الحكومات السابقة وكان لنظام حكومة المخلوع نصيب الأسد فيها .
هذا ماحدث ولكن ماتبقى هو مسئولية الحكومة التي مثلما طالبناها قِبلاً بالتخطيط الجيد للمؤتمر نطالبها بالتوظيف الممتاز لهذه الفرص المكتسبة منه ، وتذليل كافة العقبات التي تعترض إنزال المشروعات على ارض الواقع وكل مايتعلق بالمشاريع الاستثمارية التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر حتى نبارح صدقاً حدود الوعود ، لأن المرحلة الآنية والقادمة هي مرحلة الحصاد وجني الثمار من هذه المؤتمرات .
طيف أخير :
الاكتشاف ليس أن تجد أرضاً جديدة، وإنما أن ترى بعيون جديدة