:: غياب الجهاز التنفيذي للدولة يُغري البعض باستغلال المجلس العسكري بحيث يفعل لهم ما يشاءون وليس ما تشاء مؤسسة الدولة.. وقبل أسبوع تقريبا، شبهت ما يفعله هذا البعض بقوانين (بيوت العزابة)، بحيث أول من يستيقظ صباح الجمعة يتولى مسؤولية إعداد الشاي وكنس الحوش وغسل العدة وإحضار الرغيف والفول و(توضيب الفتة)، ثم يجمع المبلغ من رفاقه ويذهب إلى السوق ثم يعود ويجهز (حلة الغداء)، أي يصبح هو المدير العام لهذا اليوم.
:: ومع غياب الدستور ومجلس الوزراء، حال دولتنا اليوم كما حال (كما بيوت العزابة)، بحيث من يصحو باكرا يستغل المجلس العسكري ليفعل له ما يشاء.. على سبيل المثال، يوم أمس، أعلن المجلس العسكري إلغاء قرار أيلولة مستشفى الخرطوم التعليمي لولاية الخرطوم، وإعادته إلى وزارة الصحة الاتحادية.. فالقرار جيد، ومن المطالب القديمة لقطاع الأطباء، إذ قرار أيلولة المشافي المرجعية والمراكز القومية إلى ولاية الخرطوم كان من (القرارات الكارثية)، وما أكثرها!
:: وزارات الصحة الاتحادية هي المسؤولة – بالإدارة والتمويل – عن هذه المرحلة العلاجية (المشافي المرجعية)، بيد أن السلطات الولائية والمحلية تكتفي بإدارة وتمويل مراحل العلاج الأولية والثانوية (المراكز الصحية والشفخانات).. وكان يجب الوقوف على تجارب الآخرين والاقتداء بها.. نعم كل دول العالم، بما فيها الدول الغربية التي تقدس الحكم اللامركزي، لم تترك حبال بعض المشافي المرجعية للولايات، أو كما فعلوا هنا – بجرة قلم – رغم رفض الخبراء والأطباء.
:: ثم إن التعليم العالي (مركزي)، ومن الطبيعي أن تظل المشافي التعليمية التابعة للجامعات (مركزية)، ليكون هناك تنسيق ومتابعة ما بين (الوزارتين المركزيتين)، الصحة والتعليم العالي.. وكذلك لم يكن منطقياً تجريد الوزارة الاتحادية من سلطة إدارة المشافي المرجعية والمراكز القومية التي تستقبل المرضى من كل أرجاء البلاد، وليس فقط مرضى ولاية الخرطوم.. والمؤسف للغاية، لم تسبق قرار الأيلولة دراسة تثبت قدرة الولايات على إدارة المشافي المرجعية.
:: وكذلك لم تسبق قرار الأيلولة خارطة صحية توزع المشافي المرجعية والثانوية والمراكز الصحية حسب الخارطة المعتمدة في منظمة الصحة العالمية، أي بعلمية ومهنية و(عدالة)، وحسب التعداد السكاني لكل ولاية و محلي.. ولكن عندما آلت البنايات الفارغة – المسماة بالمشافي – لكل الولايات، كانت كل الكفاءة والأجهزة مكدسة في ولاية الخرطوم فقط.. وكان طبيعياً أن يتوافد مرضى كل ولايات السودان إلى الخرطوم للعلاج خصماً من ميزانية الخرطوم.
:: وعليه، فالقرار الصادر عن المجلس العسكري (صائب)، ولكن ويبدو أن أحدهم استيقظ صباحا ليستغل المجلس في إعادة مستشفى الخرطوم فقط إلى السلطة المركزية.. لو كان قراراً مؤسسياً لشمل كل المشافي المرجعية والتعليمية، وكذلك المراكز التي كانت قومية قبل (وباءالآيلولة).. فالقرار – الصائب – غير مؤسسي، بل صدر لإرضاء أحد بمستشفى الخرطوم، وهذا يعني أن ساقية العشوائية (لسة مدورة).. المؤسسية هي التي تنهض بالأوطان، وليس (إرضاء زيد وعبيد).. وما لم تُحل المؤسسية محل (العشوائية) في أجهزة الدولة، فلن يحصد الشعب ثمار الثورة.