أصدر رئيس الوزراء قرارا بتجميد العمل بالمناهج المدرسية الجديدة، خاضعاً بذلك لإرادة المهووسين والمتطرفين والكيزان الذين ظلوا منذ اللحظة الاولى لتعيين الدكتور (عمر القراى) مديرا للمركز القومي للمناهج يحاربونه ويكيلون له الاتهامات الخاطئة والزائفة بأنه سيقحم (فكره الجمهوري) في المناهج حتى قبل أن يجلس على الكرسي ويبدا عمله، لأنهم يعرفون أنه الشخص الوحيد الذى يمتلك الشجاعة لتطهير المناهج من الأفكار المتطرفة والاوساخ التي ملأوها بها لخدمة أهدافهم وأغراضهم الدنيئة في تحويل المجتمع السودان الى تابع ذليل لأفكارهم المنحرفة عن الدين والفطرة السليمة!
وللأسف فلقد نجحوا خلال الثلاثين عاما الماضية ــ عبر المناهج المدرسية والمنابر الدينية التي فتحوها لأصحاب الأفكار الظلامية، والسياسات والقوانين المعيبة التي طبقوها ــ في تغبيش فكر ووعى الكثيرين الذين صاروا ينظرون لأى تغيير ينشد التقدم والتطور بأنه كفر ويشنون عليه الحرب، وتهديد الداعين له بالقتل والذبح، والهجوم بالسكاكين والعصى على مراكز الوعى والتنوير، وتحريض الحكومة على اغلاقها، كما حدث لمراكز كثيرة أو كلها تقريبا، فهجر الكثيرون السودان وساحوا في ارض الله الواسعة بحثا عن الأمان والحرية والمناخ المناسب للعمل، أو تشردوا في المنافي، أو آثروا الصمت أو انزووا في بيوتهم وتخلوا عن المشاركة في العمل العام وإبداء الرأي خوفا على حياتهم وأسرهم وأبنائهم .. ليستمر الجهل والظلم والتخلف ويسود الفكر الرجعى المتحجر وتُحرم الدولة من النهضة والتطور!
تكفى نظرة عابرة الى ماضي السودان وحاضره لرؤية كيف كان السودان في الماضي، وكيف صار بعد اغتصاب الكيزان للسلطة وسيادة الافكار المتخلفة التي قادتنا الى الوراء وغمرتنا بالظلام بعد أن كنا (نقطة مضيئة في قارة مظلمة) كما وصفتنا مجلة (النيوزويك) الامريكية في عام 1953 عندما كان الإنجليز يديرون السودان، وليتهم يعودون مرة أخرى ليعيدونا فقط الى النقطة التي تركونا فيها!
أنظروا فقط الى التعليم أيام زمان الذى كانت يعطى مساحة وافرة للمناشط والفنون والألعاب والإبداع ، والتعليم الآن الذى صار مجرد وسيلة للتحفيظ والتجهيل واغتيال الإبداع الذى سعى الدكتور (القراى) مع مجموعة من الخبراء والاختصاصيين لاسترجاعه مرة أخرى عبر مناهج علمية سليمة، فواجه ما واجه من حرب خبيثة واتهامات جائرة من الظلاميين والمتطرفين والمهووسين والمتخلفين فكريا ودينيا وأخلاقيا، وبدلا من أن يجد التقدير والمؤازرة من رئيس الحكومة، أصدر قراراً معيبا بـ “تجميد المناهج وتكوين لجنة جديدة لوضع مناهج جديدة”، خاضعا بذلك لإرادة المهووسين والظلاميين والمنافقين والمتخلفين، ومناحات فقهاء السلطان الذين يأكلون على كل الموائد !
يقول رئيس الوزراء “إنه ظل يتابع الجدل حول مقترحات المناهج الجديدة، حيث التقى وتشاور خلال الفترة الماضية مع طيف واسع من الأكاديميين والتربويين والطوائف الدينية مثل المجمع الصوفي، وهيئة الختمية، وهيئة شئون الأنصار، وجماعة أنصار السنة المحمدية، و(الإخوان المسلمين)، ومجمع الفقه الاسلامي الذي تم اعادة تشكيله بواسطة حكومة الثورة ليعبر عن روح الإسلام والتدين في السودان الذي يرفض التطرف والغلو، بالإضافة إلى عدد من القساوسة الذين يمثلون الطوائف المسيحية المختلفة في البلاد، وعدد من الفاعلين في المجتمع المدني السوداني”!
ونتساءل .. ما علاقة كل هؤلاء ما عدا الأكاديميين والتربويين بوضع المناهج أم أنها محاصصة سياسية أخرى، ومن هم الأكاديميون والتربويون الذين استشارهم رئيس الحكومة لنتعرف على أفكارهم وسيرتهم ومؤهلاتهم بما يجعلنا نثق في سلامة آرائهم ، وهل اطلعوا على المناهج الجديدة وناقشوا الذين وضعوها قبل الإدلاء برأيهم، أم اعتمدوا على أحاديث الوسائط ونحيب المنابر !
كما نتساءل .. هل اجتمع رئيس الوزراء بمدير المناهج والخبراء والمعلمين الذين وضعوا المناهج الجديدة ليتعرف على طبيعة هذه المناهج، ويستطلع آراءهم في ما يثار، والنقاط التي أثارت الخلاف وإمكانية معالجتها ..إلخ، قبل أن يُصدر قرار التجميد وتكوين لجان جديدة، أم أنه أصدر القرار اعتمادا على سلطته فقط التي لم نرها في أشياء كثيرة من قبل كانت تستدعى تدخله وإصدار قرارات حاسمة وصارمة، ولكنه ظل صامتا لم يفتح الله عليه بقرار واحد إلا أخيرا خوفاً من ثورة الظلاميين والمهووسين والمتطرفين والمتخلفين والكيزان الذين يريدون للسودان أن يظل في تخلفه وظلاميته، فيسهل عليهم التحكم فيه وتوجيهه الى ما يريدون، مستغلين سيطرة العسكر على السلطة وضعف الحكومة وتشرذم قوى الحرية والتغيير، وبصراحة شديدة .. لولا لجنة تفكيك التمكين، ودكتور (القراى)، وإلغاء القوانين التي كانت يتيح للشرطة مطاردة وترويع النساء والفتيات واقتيادهن للمحاكم وإهانتهن بالجلد، لما شعرنا بوجود الثورة ولربما ضاعت بين المحاصصات والصراع على الكراسي وتسلط العسكر وفشل الحكومة!
يقول رئيس الوزراء “ان الفترة الانتقالية هي مرحلة للتوافق مع الجميع”، ونقول له .. لا توافق ولا صلح ولا حوار مع الاخوان المسلمين والكيزان وأذنابهم الذين دمروا البلد ونهبوها وارجعوها مائة سنة الى الوراء .. ولقد حكم بذلك الشعب وثورته المجيدة ودماء الشهداء، وأقرته الوثيقة الدستورية التي نصت بكل وضوح على “عدم مشاركة المؤتمر الوطني والقوى السياسية التي شاركت في النظام البائد حتى سقوطه في المرحلة الانتقالية”، بالإضافة الى “تفكيك بنية النظام البائد” و”محاسبة منسوبي النظام البائد عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني منذ استيلائه على السلطة وحتى لحظة سقوطه”!
إذا كان رئيس الوزراء يريد التوافق مع الاخوان المسلمين والكيزان وأذنابهم ويستشيرهم ويتصالح معهم .. فليقدم استقالته ويرحل، ويتوافق ويتصالح معهم ويستشيرهم بعيدا عن الحكومة والثورة التي صنعها الشعب بدمائه وارواح شهدائه ليتخلص منهم ومن أذابهم وأفكارهم الرجعية ويتقدم بالسودان الى الامام .. حيث النور والحرية والتحرر من الافكار الظلامية!