)1(
من القضايا التي يجب أن نطرحها ونتوقّف عندها كثيراً, قُدرة القطاع الخاص على قيادة عجلة التنمية.. فكُل بلاد العَالم التي نَهضت لم تنطلق إلا بعد أن أجابت عَلَى هذا السُّؤال, فبعضها نَهَضَ بها القطاع العام )بعض دول أمريكا الجنوبية(، وبعضها نَهَضَ بها القطاع الخاص )النمور الآسيوية(، وبعضها اشترك القطاعان في عملية النّهضة )الهند(.
أمّا نحن في السودان فالأمر مازال فيه الكثير من الدغمسة، بعبارةٍ أخرى )الدرب رايح لينا(.. في يوم مضى شيطنا القطاع الخاص وقلنا الدولة قادرة، وفي يوم أتى قلنا إنّ القطاع الخاص هو الذي يجب أن يكون )شيّال التقيلة(، وفي اليوم العلينا دا واستجابة لهوجة عالمية وفشل الدولة قلنا وثبتنا أنّ 85 في المائة من الأنشطة الاقتصادية يجب أن تكون بيد القطاع الخاص، لا بل أفسحنا له المَجال واسعاً في قطاع الخدمات من صحةٍ وتعليمٍ، ففككنا له أعظم وأضخم وأقدم مُستشفى في البلاد وتركنا له ترقية التعليم، فهل قام هذا القطاع بالواجب؟ إذا كَانت الإجابة بالنّفي وما هي الأسباب التي أقعدته؟ هل تَرجع لسياسة الدولة؟ هل لعيبٍ بنيوي في ذلك القطاع؟ هل… هل… هل…؟ الأسئلة تترَى فما لم نجب عليها سنظل )لافين صينية( وسيظل القطاعان كَسيحين!!
)2(
لست بصدد الإجابة على تلك الأسئلة أعلاه، ولكن الذي لفت نظري مُؤخّراً أنّ القطاع الخاص في المجال الزراعي بدأ يقدم نُموذجاً مُختلفاً يَدعو للتّأمُّل بفضل مجهودات بَعض رجال الأعمال )يُحسبون على أصابع اليد الواحدة(.. حَدَثَ تَقدُّمٌ كَبيرٌ في مَجال الزِّراعة لم تَصل بَعد إلى مَرحلة الطفرة ولكن إذا سَارت على هذا المَنوال سوف تصل إن شاء الله.
فمُوسم الأمطار النّاجح 2018 تمّ استغلاله بصُورةٍ طيبةٍ وسَوف يَظهر لنا ذلك في 2019 ما لم يُواصل الدولار صُعُوده والجنيه هُبُوطه.. التّقدُّم حَدَثَ في مجال محاصيل القطن والحُبُوب الزّيتية، بالمُناسبة الخُضر والفواكه قادمة ولكن بخطواتٍ خجولةٍ، وإذا فككنا بدايات النهضة الزراعية والتي أسندناها للقطاع الخاص لن نجد الدولة غائبة فقد كانت موجودة في التّمويل، فالبنك الزراعي فتح ذراعيه لهم لكن الدولة ابتعدت عن الإدارة الزراعية اللهم إلا قليل، كَمَا أنّ القطاع الخَاص غير المُنظّم ونقصد المُزارعين كَانُوا مَوجودين بقُوة.
فإذاً هي ثلاثية الأبعاد، رجال أعمال ومُزارعون والدولة، بيد أنّ رجال الأعمال هم المُمسكون بالمقود فأثبتوا قدرة على السواقة!
)3(
ما ذكرناه أعلاه يحتاج الى تفصيل وبيانات وإحصاءات حتى لا يكون كَلاماً مُرسلا ولكن ليس هذا مَكانها، لكننا نعد بأن نُعطي فكرة مُتكاملة عنها إن شاء الله.
هناك أمران نود أن نشير إليهما خطفاً، الأول، إنّ الدولة بدأت تَتَدخّل سَلباً في هذه التجربة الوليدة فها هي تَفرض مَبلغاً من المَال على كُلِّ قنطار قطن في الجزيرة دُون أيِّ وَجه حَقٍ، فالمُزارع قد دفع وسيدفع الضريبة المَفروضة عليه جزافياً فلماذا تطرأ الضريبة الجديدة؟ الثاني الدولة بدلاً من أن تقلِّص إداراتها العاجزة غضت الطرف عن تَدخُّلها في العَمليّات الإنتاجية، فها هي الإدارة في مشروع الجزيرة تُموِّل زراعة القمح في مشروع الجزيرة مقابل ضريبة إدارية, أكرِّر ضريبة إدارية قد يكون حُسن النية مُتوفِّراً.. ولكن السؤال لماذا لم تُموِّل الدولة المزارع مُباشرةً وتقوي آليات البنك الزراعي وتنظيمات المُزارعين؟ إذا كانت الشركات في القطن أضافت بعض التقانات فهل إدارة مشروع الجزيرة لديها تقانات في القمح؟!
خلاصة قولنا إنّ تدخلات الدولة سوف تكسر ضهر هذه التجربة الوليدة..!