معروف عن الدكتور محمد طاهر أيلا، رئيس مجلس الوزراء، ولعه بالتفاصيل وحرصه على تجفيف منابع تسرب المال العام وشغفه في الترتيب المؤسسي المفضي لانسياب الخدمات وتجويد الأداء، غير أن الرجل وفي غمرة اهتمامه بكل ذلك مازال يغفل الأولويات ولا تكاد تستشعر لجهوده أثراً في التعامل مع الأزمات اليومية الخانقة التي تمسك بتلابيب المواطن وتحيل حياته إلى جحيم.
هنالك أزمات يواجهها الشعب السوداني الآن في حياته اليومية والمعيشية ويرجو منها خلاصاً على يد الدكتور أيلا، وقد رفع تعيينه سقوفات الأمل إلى أعلى مداها لدى المواطن المغلوب على أمره.
مازال المواطنون يعانون الأمرين في الحصول على أموالهم التي تحتجزها المصارف دون أي وجه حق، وما فتئوا يغالبون الحياة في سعيهم الدؤوب لتوفير لقمة العيش الكريمة مع استمرار الفوضى التي تضرب الأسواق وتواصل ارتفاع أسعار السلع والدولار.
الناس يبحثون عن رئيس الوزراء في الأسواق، والبنوك والصيدليات التي عز فيها الدواء، وارتفعت فواتيره إلى الضعف إن وجد، ويسألون عنك لتأمين الوقود والخبز بعيداً عن التلاعب في الأوزان والتسعيرة.
لا يمكن التقليل من تأثير قرارات كبيرة أصدرها أيلا منذ لحظة تسلمه مهام رئيس الوزراء في ما يلي ترتيب العمل المؤسسي ووقف الترهل والفوضى على مستوى الشهادات، ومعايير تحقيق الكفاءة وإزالة الازدواج الملاحظ في نشوء أجسام موازية للوزارات الرسمية، كما حدث في حله لمؤسسة النفط، ولكن تظل كل هذه القرارات قياساً بالأولويات التي ينتظرها المواطن )زراعة خارج الترس(، كما يقول أهلنا في الجزيرة.
حراك أيلا الأخير رغم عنفوانه وصرامته لم يلامس قضايا الإنتاج بشكل واضح، مازال الوضع على ما هو عليه في مجال تطوير الزراعة للكفاية المحلية والتصدير، ولم نلحظ ما يمكن أن يضيف إلى خارطة الإنتاج النفطي أو يحسن من بيئة التعدين في الذهب، ويأتي بعائداته مكتملة إلى الخزينة العامة، لم نقرأ عن قرارات تزيل التقاطعات وتفكك لوبيهات ظلت تسرح وتمرح في خيرات البلاد، القرارات لم تلامس كذلك ما يمكن أن يفضي إلى تطوير مقدرات السودان في الثروة الحيوانية أو يضاعف من فرص جواذبه السياحية والاستثمارية، ولم تفتح ملفات الفساد بما يعيد حقوق الشعب السوداني وأمواله المنهوبة.
بالأمس توجهت جموع المواطنين إلى البنوك بعد الإعلان عن وصول دفعة كبيرة من الأوراق النقدية المطبوعة في الخارج، غير أن الحال كان يغني عن السؤال، وخزانات المصارف ماتزال خاوية على عروشها والناس في ضيق شديد.
طريق الإصلاح الذي ينشده أيلا طويل ولا أظن أن عمر الحكومة المحدد بتسعة أشهر سيمكنه من تأهيل الملعب التنفيذي على النحو المطلوب، في ظل وجود أجندات وتقاطعات ولوبيهات تتطلب التعامل معها بسياسة )النفس( الطويل، أخشى أن تسرق المواجهات وأجندة الخصوم أيلا من مهامه الأساسية في العبور بالحكومة إلى مرافئ الاستقرار عبر تأمين الاحتياجات الضرورية والأساسية، كل القرارات التي أصدرها الرجل ستظل بعيدة عن اهتمامات الناس، ما لم تطفئ جمر الأزمات التي يطأها المواطن يومياً.