* لا أستطيع أن أخفي إعجابي بحزب المؤتمر السوداني، لريادته وتفرده في النواحي الفكرية والتنظيمية، ولأنه تميز عن غالبية الأحزاب السياسية السودانية بديمقراطيته وديناميكيته، وسيطرة روح الشباب على أنشطته ومكوناته، وبقدرته الفائقة على اجتذاب فئاتٍ خاصم أفرادها غالب المكونات السياسية القديمة، ونفروا منها، لأنها لم تلبِ أشواقهم، ولم تحقق تطلعاتهم، ولم تفتح لهم أبوابها، كي يتصعدوا في سلم القيادة، مثلما فعل )المؤتمرجية(.
* التطور اللافت في مسيرة الحزب الشاب طبيعي، لأنه نشأ وترعرع في كنف الاستنارة، بعد أن أبصر النور في ساحات الجامعات والمعاهد العليا، وتمكن من إقناع عدد مقدر من منسوبيها بالانتماء إليه، حتى تصدر المشهد الطلابي في كبرى جامعات السودان، وسيطر على مقاعد المجلس الأربعيني بجامعة الخرطوم، مثلما سيطر على اتحاد طلاب جامعة الجزيرة لثلاث عشرة دورة متتالية، قبل أن يفرز أحد أكثر المكونات السياسية سخاءً في دفع الشباب إلى كابينة القيادة.
* في حزب المؤتمر السوداني لا مجال لتكلس الأفكار والتحجر في المناصب، لأن الديناميكية التي ميزت المكون السياسي الشاب تحللت من أدبيات )الكنكشة( في قمة الهرم مبكراً، وأرست قواعد الزهد في المناصب، وكافحت فيروس التشظي التاريخي، الذي ضرب معظم المكونات السياسية السودانية، فتسبب في انقسامها تباعاً.
* في الدورة السابقة قدَّم رئيس الحزب، الأستاذ إبراهيم الشيخ، درساً تاريخياً لقادة الأحزاب السياسية السودانية، عندما رفض تعديل قانون الحزب لتمكينه من الاستمرار في الرئاسة لدورةٍ ثالثةٍ، معلناً تقديسه للنص الذي يلزمه بالتنحي.
* شكلت مبادرته المسؤولة طفرةً نوعيةً في النهج المطلوب اتباعه من قادة الأحزاب للتعاطي مع مطلوبات التجديد، إرساءً لمبادئ التداول السلمي للسلطة.
* اتسمت أطروحات الحزب بالحداثة، وتميزت باتساع الأفق، والقدرة على مخاطبة مطلوبات التجديد، ووفرت لشبابه خيارات سياسية جاذبة، تختلف كماً ونوعاً عن البضاعة الكاسدة والمتكلسة، التي أصابها البوار في أسواق الأحزاب التقليدية، بسبب عدم قدرتها على تجديد أفكارها ومحركاتها، وفشلها في مواكبة إيقاع الأجيال الجديدة، وغياب الديمقراطية عن ردهاتها.
* مساء أمس الأول استعاد المهندس عمر يوسف الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني حريته، وخرج من اعتقالٍ تحفظيٍ مكث فيه أكثر من شهرين، بصحبة مجموعة كبيرة من قيادات الحزب وناشطيه.
* نتمنى أن يشكل قرار إطلاق سراح )قدم الخير( بدايةً جادة لتعاملٍ حكومي أوفر رشداً، وأكثر واقعيةً مع قيادات المعارضة، بإطلاق سراح المعتقلين تباعاً، سعياً لتلطيف الأجواء، وإثباتاً لحسن النوايا، وتمهيداً لطرق أبواب الحوار الذي اقترحه الرئيس في الخطاب الذي أعلن فيه حل الحكومة، وإعلان حالة الطوارئ.
* سيصعب على الحكومة أن تقنع الناس بجديتها في إقرار حلٍ هادئٍ للأزمة الحالية عبر الحوار، إن هي أصرت على الاستمرار في اعتقال المعارضين، والتشدد في ملاحقة المحتجين، ورفضت توفير أبسط مطلوبات الحل، بتقديم مبادرات نوعية، تستهدف توفير مناخ ملائم للتداول السياسي، حول ما ينفع البلاد والعباد.
* في المقابل نطالب مكونات المعارضة بأن تقدم المصلحة العليا على ما سواها، وتستجيب لأي بادرة حوارٍ جاد، تستهدف كسر حالة الجمود الحالية، سعياً إلى إعادة فتح الأفق السياسي المسدود، مع تأكيدنا التام على أن الحكومة مطالبة بإثبات حسن نيتها، وتأكيد رغبتها في الوصول إلى حلول ناجعة، بتهيئة المناخ لحوارٍ شفاف ومنتجٍ، يقود بلادنا إلى بر الأمان.