لا بد من طرائق جديدة لتذليل الصعاب التي تعترض مسالك الحكم الرشيد في بلادنا التي سبق نشوء الدولة – في تاريخها – نشوء الأمة .. الكاتبة..!
آية حجازي – لمن لا يعرفها – هي شابة مصرية، تحمل الجنسية الأمريكية، قضت مرحلة الدراسة الجامعية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وتزوجت من شخص يشاركها ذات التوجهات الإنسانية، فقاما معاً – بعد انتصار ثورة يناير في مصر – بتأسيس مشروع خيري اسمه “بلادي”، كانت مساعدة أطفال الشوارع أحد أهم أهدافه. وبالفعل تم إنقاذ أعداد مقدرة منهم، لرفد المجتمع بنماذج جيدة بعد تأهيلها..!
لكن الشرطة المصرية قامت ـ قبل سنوات – بإلقاء القبض على آية وفريقها العامل، لتُهَمٍ عديدة، من بينها الاتجار بالبشر. وقد ضغطت الكثير من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة في مصر والعالم للإفراج عنهم، وقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أكبر الضاغطين. فتمت تبرئة آية وفريقها العامل والإفراج عنهم. فأرسل ترامب طائرةً خاصة أقلت آية إلى الولايات المتحدة، وقابلها بنفسه حال وصولها..!
قبل يومين شاهدت حواراً تلفزيونياً مع آية حجازي، سُئلتْ خلاله عن رأيها في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان سبباً في الإفراج عنها، لكنها ـ على العكس من ردة الفعل العاطفية “العربية” المتوقعة ـ انتقدت سياسات ترامب، ووصفتها بأنها قائمة على الخوف. فهو ـ بحسب رأيها – يستغل خوف الشعب الأمريكي من الإرهاب، ومن طوفان المهاجرين، ليفرض سياساته في حكم البلاد..!
مشاهدتي لذلك الحوار – ووقفتي عند ذلك الرأي المحايد بشأن سياسات الرئيس الذي أنقذها من السجن المؤبد – تزامنت مع تباين الآراء بشأن وقائع سياسية ذات صلة، يشتعل الرأي العام في بلادي بالحديث عنها هذه الأيام ..!
الواقعة الأولى هي موقف المدافعين عن الرئيس السابق عمر البشير، والرافضين لمحاكمته، سواء كانوا من المُنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني، أو المشاركين في حكم نظامه السابق، أو الصحفيين الذين لا يزالون يدينون له بالولاء، وهذا حقهم الديمقراطي – بطبيعة الحال ـ لكن هذا الحق في بذل الولاء لا يعني أن يغمضوا أعينهم وأن يصموا آذانهم عن الحقائق المؤكدة والاتهامات المنطقية التي تقوم عليها هذه المحاكمة. وإلا فلماذا قامت هذه الثورة، في الأساس..!
أما الواقعة الثانية فهي بروز بعض الشكوك في عدم أهلية بعض المرشحين لقائمة مجلس الوزراء بتقلّد المناصب الوزارية – في معرض تمحيص السيرة الذاتية لكل مرشح منهم، والرجوع إلى بعض مواقفهم ووقفاتهم في مسيرة العمل العام – وهي ظاهرة ديمقراطية لا غبار عليها، إن هي خلت من الأغراض والغايات، وإن هي سلكت طريق الشفافية والمسئولية. وفي هذه الحال فهي ظاهرة جديرة بالاحتفاء لا الرفض من منطلقات ثورية عاطفية، لا تخدم المرشح المشكوك في كفاءته بقدر ما تكرِّس لظاهرة المحاباة والتمكين التي قامت هذه الثورة ـ فيما قامت لأجله ـ للقضاء عليها..!
وعليه، فإن القدح في كفاءة أحدهم لنيل منصب ما لا يعني بالضرورة التشكيك في وطنيته أو نضاله الثوري، أو حتى عدالته أو جدارته بأن يكون ضمن أيقونات هذه الثورة. فالجدارة الثورية شيء والأهلية الدستورية شيء آخر. ولعل هذه هي أول وأولى مفاهيم هذه الثورة..!
خلاصة القول، إن الدفاع عن حق أحدهم في البراءة، أو رفض خضوعه للمحاكمة، أو الدفاع عن حقه في أن يتبوأ منصباً دستورياً لخدمة الوطن، ينبغي أن يقوم على أساس أحكام منطقية، واعتبارات محايدة لا شأن لها بالعلاقات الشخصية، أو المواقف العاطفية. هكذا – وهكذا فقط – تُبنَى دعائم الحكم الرشيد الذي به تتقدم الأمم..!