“غاية القانون ليست منع أو تقييد الحرية بل حفظها وتوسيعها” .. جون لوك ..!
(1)
لا يزال هناك من يتحفظون على تشديد عقوبة مغتصب الطفل – الإعدام – باعتبار أنه ليس قاتلاً، وهؤلاء نحيلهم – رأساً – إلى قصة سيدنا موسى مع الخضر “قتل الغلام كان شراً في ظاهره، ولكن بقاءه على قيد الحياة كان أكثر أذى وفتنة لوالديه في دينهما، وهكذا انقشع ستار الغيب عن بصر الرجل الصالح فرأى أن يقطع الطريق على أعظم الضررين بتحقق أدناهما” فما بالك بمن يغتصب طفلاً؟!. الاحتكام في بعض الجرائم التي تتفاقم إلى ظواهر يعول في تشريع العقاب على روح القانون، والقاعدة الأصولية تقول إنّ الشر الكبير يدفع بارتكاب الشر الصغير، وعندما تتعارض المفاسد مع مصالح العباد يجتث دابر الأولى حتى يستقيم الأمر للثانية. الأحكام القضائية المتهاونة تساعد جداً في صناعة تلك الوحوش الآدمية، فالعلاقة بين انتشار أخطر الجرائم وبعض القوانين طردية، وبمثل هذه الأحكام الرادعة – فقط – تنحسر جرائم اغتصاب الأطفال التي أوشكت أن تتحول إلى حوادث نمطية تُسوّد صفحات الجرائد، لولا تنفيذ مثل هذه الأحكام الرادعة. فهل من مزيد..؟!
(2)
الخليفة العادل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عطل حد السرقة في عام الرمادة مراعاة لظروف المجاعة التي حاقت بالرعية في عصره، مع أن السرقة جريمة تقع مع سبق الإصرار، فما بالكم بتعثر المدين في السداد؟!. في أحد سجون السودان توفي مسجون كبير السن بعد بقائه في الحبس طويلاً لعجزه عن سداد دين تكفي قيمته بالكاد لشراء جهاز موبايل “آخر موديل”!. بينما في بعض الدول العربية صدرت قوانين جديدة تسمح بعدم سجن المدين إذا كانت قيمة الدين تقل عن مبلغ بعينه، ونصت على إلغاء العقوبة لحالات بعينها، مثل كبار السن والقُصَّر، والمصابين بأمراض مزمنة، والنساء اللاتي توفي عنهن أزواجهن، والحوامل إلى حين بلوغ الرُّضَّع الفطام . بعض الأحوال في بلادنا تحتاج جهوداً نوعية لأنسنة بعض القوانين على نحو يعالج تلك الصيغة اللانهائية التي يقوم عليها تطبيق قانون “يبقى لحين السداد”، ودوراً أكبر لمؤسسات المجتمع في تنوير طبقة ذوي الدخل المحدود بمآلات الاستجابات العاطفية لتجار مضاعفة الديون، فضلاً عن العروض المغرية التي تعلن عنها بعض البنوك بكثافة وإلحاح..!
(3)
لا بد من رفع شعار الاحتكام إلى السعة في وجه الكثير من المسلّمات الخاطئة التي تحتاج إلى ثورة فقهية لتحرير الخطاب السياسي في بلادنا من سطوة الاستعلاء الديني والتبرير والمكابرة، بالحذف والإضافة والتغيير في مواضع التخصيص والتعميم. التاريخ المعاصر كان ولا يزال مليئاً بالكوارث السياسية التي صودرت فيها الحرية وانتهكت العدالة باسم الدين. ببساطة كلنا مسلمون، وأهل الاعتدال في إسلامنا لهم عبارة مؤثرة تقول “لا يؤمن بربوبية القوة إلا شبح الضعف”. بعض الرؤى السياسية الحديثة أبسط بكثير مما يثار حولها من ضجيج، هي ليست معادلات رياضية بل مفاهيم اجتماعية تعول في نهوضها على خصوصية كل شعب، وتحافظ على مسافات مقدرة متساوية مع جميع الأفكار، ومسافات أخرى مناسبة بين سياسات الدول ومعتقدات الحكام، لكنها لا تنادي ـ أبداً – بفصل الدين عن الحياة ..!