معذرة لجميع قراء زاوية بلا حدود عن 6 ايام من الغياب عن الكتابة الصحفية التي تشاركتها معكم في الصحيفة وفي مواقع التواصل الإجتماعي، وأرجو قبول إعتذاري بعد أن تقهقرت نفسيا ومهنيا عن ركب الثورة ولم أكن في الموعد بعد حادثة الشهيد الأستاذ أحمد الخير البشعة وما حدث بعدها من حالة ألم وأسى مصحوب بإحباط عام اصاب السواد الاعظم من الشعب السوداني. قبل أن أفيق على صوت الشارع الهادر مرة أخرى يوقظني معلنا إقتراب الثوار من مطلبهم الأساسي وهو إسقاط النظام، لأعود لحاضنتي المهنية ولشعبي وللشارع الذي لا أظنه سيخذلني ولا أظنني سأخذله بعد اليوم. أعود بالتعليق على لقاء رئيس الجمهورية أمس الاول مع رؤساء تحرير بعض الصحف وكتاب الأعمدة، وأحمد الله انني لم ولن أكن من ضمن المدعويين بالصفتين في جميع مناسبات القصر والرئيس طيلة فترة عملي. ولكن ما قالته الأسافير والتسجيلات الصوتية لعدد من الزملاء الصحفيين يؤكد شيئا واحدا وهو إقتناع جميع الحضور بأن هذا النظام يجلس فوق فوهة بركان إنفجاره بات مسألة وقت لا أكثر. لذا فالكثير منهم حاول أن يجعل (رجلا) داخل المركب، والأخرى في اليابسة، مغلفين حديثهم بأساليب البلاغة من سجع وجناس وإقتباس وطباق باستثناء واحد أو إثنين فقط من الصحافيين.
كل ما قاله الرئيس مؤكد لا يعني الشارع في شئ خاصة إعترافه بفشلهم في تطبيق ما يسمى ب (قانون النظام العام)، وابتعاده عن الإسلام 180 درجة، وأنهم مع مطالب الشباب، ومع حرية الصحافة، بل وإعلانه الصريح إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، ووو الخ .
ولكن الذي لم يفهمه الرئيس والقابضين على المناصب العاضين عليها بالنواجز، أن الشباب قال كلمته ولن يتراجع عنها، وأن الشباب الذي حرم من أبسط حقوقه منذ ميلاده وإلى اليوم لن يستمع إلى أي حرف يخرج من أفواهكم، فقد إنتهت اللعبة ولم يعد هناك مجالا لشوط إضافي.
فالشباب الثائر أعلن وعيه مبكرا بمطالبته بسلمية التظاهرات، مترفعا ومتساميا يوما بعد يوم عن جراحاته بفقده الجلل لزملاء ورفقاء الكفاح والنضال في الشارع برصاص النظام الذي لم يترحم كبار مسؤولوه على الشهداء الذين سقطوا وتدفقت دمائهم على الشوارع، ولم يعتذروا، ليؤكدوا أنهم الجيل الرائد والمعلم والقائد لهذا الشعب العظيم.
شباب ليس من اهتماماته شرب الشيشة ولا جلسات الانس في شارع النيل ولا في الشقق المفروشة، ولم يعد يعنيه ان يفتح له ذات النظام الذي كبله وقيده وحلق منسوبوه شعر رأسه على قارعة الطريق، ابواب النعمة مرة اخرى التي يعتقد النظام انه يمكن ان يقدمها له ك(رشوة) ليعيده بها الى بيت الطاعة مرة اخرى، الشعب الان يمثله الشباب، اوقف بثوريته وعنفوانه التصريحات الساخرة من المسؤولين في بداية التظاهرات والتي تحدوا فيها العشرات الذين خرجوا مطالبين برغيف الخبز والوقود، وبعد ليرتفع سقف المطالب لأبعد مما كان يتصور اصغر موظف دولة، بعد ان أصبحت الاحتجاجات أسلوب حياة يومي لعدد كبير من السودانيين حتى وصل العدد يوم الخميس لمئات الالاف من المواطنين بالعاصمة وحدها وقبلها الملايين بمدن وارياف السودان.
فالمطلب الان بات (الحرية والسلام العدالة ) وهو الثلاثي الذي إفتقده السودان لثلاث عقود كاملة، لم يعد هناك مجال للمزيد من العنترية الزائفة و(ركوب الراس)، وحقن الدماء البريئة مسؤولية الحاكم أمام الله قبل العدالة.