غنائية عقد الجلاد تبدو وكأنها حالة تشريحية للحياة السودانية بكل تفاصيلها، وإذا نظرنا لأغنية مثل (حاجة آمنة) نجدها أغنية تعبر تعبيراً دقيقاً لواقع حياتي سوداني يومي لا تنفع معه كل مساحيق التجميل.. وتلك المرأة البسيطة التي انحاز لها هلاوي ووصف كل خلجاتها هي نموذج موجود في كل بيت.. لذلك من البديهي أن تدخل عقد الجلاد كل بيت .. وأخطر ما في فرقة عقد الجلاد قدرتها على تشكيل الرأي العام، وهي أشبه تماماً بالصحف ومدى تأثيرها على تشكيل الرأي العام وتحديد مساراته.. وأجمل ما في هذه الفرقة كونها ما زالت سودانية وذات وجدان سوداني جداً، وهي بذلك استطاعت ملامسة الوجدان والدواخل..
(2)
هذه الجماهيرية الطاغية كان سببها ملامسة الهم اليومي واللسان السوداني الذي يطرق القلب بكل عفوية.. وعقد الجلاد حتى على مستوى التأليف اللحني للأغنيات نجدها طرقت شكلاً مغايراً لم يعتمد على زخم الموسيقى والآلات بكل كان الاعتماد على الصوت البشري وهو الأداة الأساسية لتوصيل الفكرة وليس الآلات الموسيقية.. لهذا نجد هذا التنوع الجمالي في الأصوات المؤدية في شكل وتكوين وتركيبة الفرقة..
عقد الجلاد ظلت طيلة السنين الماضية تشكل حضوراً جميلاً وعلى كافة الأصعدة وهي اليوم تعد واحدة من المنظمات التي تساعد وتبني وتعمر وتسافر لأماكن الحروب وهي لها رحلات عديدة للجنوب تبشر بالسلام وكذلك في دارفور كانت لها مساهماتها وقبل أيام حفل لأطفال المايقوما.. كلها تفاصيل تؤكد أننا أمام حالة أكبر من فكرة الغناء فهي أشبه برسول الإنسانية الذي يتخذ الغناء وسيلته للمخاطبة والوصول..
(4)
عقد الجلاد وعبر تاريخها الطويل قدمت العديد من الأغنيات التي كانت أشبه بالمشاريع الفكرية والتجربة بحد ذاتها ككل مثلت تكثيفا لحالة شعورية فيها الكثير من البساطة والقدرة على المعايشة والتعايش مع الهم اليومي.. ولكن الملاحظ أن الفرقة في الفترة الأخيرة لم تقدم أي عمل غنائي محسوس الأثر رغم أن الفرقة أنتجت أغاني جديدة ولكنها ليست في مقام الأغنيات القديمة التي شكلت الملمح الأساسي للفرقة.