الحكومة الحالية لها تجارب كثيرة فاشلة جداً بخصوص استخدامات الأراضي في جميع الولايات، ويظهر الأمر واضحاً في ولاية الخرطوم، حيث لا تهتم باختيار الأراضي المناسبة للاستخدامات المناسبة، كل الذي يهمها هو التكسب من بيع الأراضي، وكم اقتلعت من مساحات خصصت للمصلحة العامة وباعتها سراً أو جهراً ورغم أنف المواطنين، في تجاوز غير مقبول لحقوق المواطنين وحرمانهم من التمتع بأراضي الدولة على نحو لائق، وعدم مراعاة لمصلحة البلد والأجيال القادمة. فهي دائماً تفكر في العائد المادي الذي تحتاجه لتصرف على نفسها، ويبدو أنَّ صراع الحكومة مع المواطنين بشأن استخدامات الأراضي لن ينتهي أبداً.
منذ فترة طويلة والجدل يدور بشأن قرار أصدره والي شمال كردفان أحمد هارون ينص على تغيير غرض سواقي بارا من زراعي إلى استثماري سكني أو خدمي،وقد وجد القرار مقاومة شديدة من ملاك السواقي باعتبار أنَّ السواقي هي مصدر عيشهم الوحيد، حتى لجأوا إلى المحكمة التي أمرت بإيقاف القرار الحكومي مؤقتاً إلى حين معرفة السبب المانع، ويبدو أن الوالي مصر على إتمام المهمة،وكأنها منطقة خطرة وليست جنائن تنتج خيراً.
هذه الأيام عادت مشكلة السواقي إلى الواجهة في ظل إصرار الوالي على تنفيذ قراره مقابل إصرار ملاكها على مواصلة النضال ضد القرار، ولم يتركوا وسيلة سلمية إلا ولجأوا ولكن لا أدري من سينتصر أصحاب الحق أم صاحب القوة والسلطة. ولو كنا في أية دولة أخرى لتراجعت الحكومة، من أجل خاطر المواطنين وبحثت عن حل توافقي مقنع .
كلمة سواقي تطلق في بعض المناطق عل البساتين التي تنتج مختلف المحاصيل أو الفواكه، مثلما يطلق عليها في مناطق أخرى جناين. ولا شك أينما وجدت السواقي أو الجناين أو البساتين وجد الخير والجمال والصحة، ولا أدري كيف يمكن تغيير غرض السواقي من زراعي إلى سكني أو استثماري أو خدمي، وأية مصلحة يمكن تحقيقها من تبديل الذي هو أعلى بالذي هو أدنى؟.
والي شمال كردفان أحمد هارون ليس وحده من يفكر بهذه الطريقة فجميع الولاة في عهد الإنقاذ، خسروا الدولة والشعب مكاسب وفوائد كثيرة بسبب النظرة الشخصية القاصرة لاستخدامات الأراضي التي لا يرون فيها غير بقرة حلوب تدر عليهم المال . وجود السواقي في قلب بارا فيه فائدة عظيمة للمواطنين وليس بها أي ضرر، ويمكن لوالي شمال كردفان أن يجعل منها تحفة في قلب بارا بالتنظيم والتطوير دون أن يغير غرضها من زراعي لسكني استثماري خدمي، وإن فعل فهو يرتكب جريمة لا يبررها أي عذر أو منطق، وإذا فعل غداً سيأتي كل والي ويصدر قراراً بإزالة السواقي أو البساتين أو الجناين الموجودة في ولايته، بذات المنطق الذي استخدمه أحمد هارون إن كان هو فعلاً منطقاً، وسيأتي اليوم الذي نرى فيه والي الخرطوم يزيل غابة السنط ويأمر بتغيير غرضها إلى سكني أوخدمي أو استثماري، وحقيقة هي جريمة رسمية تتكرر في كل المدن وإن اختلف شكلها، ونرجو أن لا يصر عليها والي شمال كردفان وعليه أن يرى بمنظار المواطنين وليس الحكومة .
اسماء جمعه