صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

روقوا المنقة .. !!

9

مناظير

زهير السراج

روقوا المنقة .. !!

* أُدرك أن الجميع متحمس جدا لخدمة السودان بعد إزاحة النظام البائد الذى دمر كل شيء، وهو حماس مطلوب ومقبول، وأحد عوامل النجاح لأى عمل، ولكنه يجب ألا يتعارض مع العوامل الأخرى وعلى رأسها عدم تداخل الاختصاصات وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وإلا أصبح العمل مجرد (هرجلة) من المحتم أن تكون نهايتها الفشل !!
* استمعتُ لندوة تحدث فيها رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بقوى الحرية والتغيير (عمر الدقير)، والى حوار تلفزيوني استضاف عضو المجلس السيادي (محمد الحسن التعايشي) بعد أدائه للقسم عن مهام المرحلة المقبلة، وللحقيقة فلقد كان الاثنان في قمة الحماس وعلى أعلى درجة من الثورية بالإضافة الى الموضوعية في أغلب الحديث، غير أنهما كانا ينسيان في بعض الأحيان التغير الذى طرأ على المشهد بتوقيع الوثيقة الدستورية وتشكيل المجلس السيادي ووجود رئيس وزراء، ويطلقان الوعود عن اشياء هي من صميم عمل الحكومة والجهاز التنفيذي وليس مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير، مما يمكن ان يربك المشهد ويؤثر على عمل الحكومة ويظهر رئيسها وكأنه يتلقى التعليمات من الآخرين.
* كما ان الأخ التعايشي كان يتحدث في كثير من الاحيان وكأنه سياسي، وليس رجل دولة محكوم بوثيقة دستورية رسمت له حدود سلطاته وصلاحياته، وان المنصب الحساس الذى يتولاه يحتم عليه النأي عن استخدام لغة قد تفسر بشكل خاطئ وتتسبب له في الحرج وللمجلس السيادي الذى يمثل الدولة في اعلى قمة هرم السلطة!!
* لا شك ان العمل التنفيذي يجب ان يكون مسنودا بالعمل السياسي الحصيف في المرحلة القادمة وتضافر كافة الجهود، ممن هم في مؤسسات السلطة الانتقالية او خارجها، وفى قوى الحرية والتغيير او خارجها، خاصة أن المرحلة الأولى التي حُددت لها فترة ستة اشهر ستركز على قضايا الحرب وتحقيق السلام، مما يتطلب وجود رؤية سياسية واضحة ومساهمة اصحاب الخبرة السياسية والفكر والرأي وكل من يرغب في المشاركة الايجابية لحل هذه القضية المعقدة، ولكن لا يعنى ذلك أن تتداخل المسؤوليات والسلطات ويتحرك البعض من تلقاء نفسه بدون تفويض من الجهة المختصة.
* لا يمكن أن يعطى (الدقير) وعودا للحركات المسلحة، وأنهم سيفعلون كذا وكذا بدون ان يكون لديهم تفويض من الحكومة، ولا يمكن أن يتحدث (التعايشي) عن اشياء هي صميم أعمال الجهاز التنفيذي مثل محاكمة اعضاء النظام البائد، وكأنه مسؤول تنفيذي وليس عضو مجلس سيادي، ليس له سلطات تنفيذية تخول له الحديث عن هذه الأشياء. يجب على كل شخص أن يستوعب حدود صلاحياته واختصاصاته ويتصرف على هذا الأساس، حتى نتفادى حدوث خلافات ومشاكل نحن في غنى عنها، تضيع الوقت والجهد بدون فائدة. أعجبني (حمدوك) عندما اعترض طريقه أحد الأشخاص وسأله عن ابراء الذمة لرئيس الوزراء ومجلس السيادة، فأجاب عن الجزء الذى يخصه وطلب من الشخص ان يوجه سؤاله لمجلس السيادة عن الجزء الخاص به، وإن كان ذلك لا يعفيه كرئيس للحكومة من متابعة هذا الأمر مع الجهة المختصة!!
* خلال الفترة الديمقراطية الثانية (1986 – 1989 ) التي تولى فيها (الصادق المهدى) رئاسة الحكومة، وتولى (احمد الميرغني) رئاسة مجلس السيادة الذى تكون من خمسة أشخاص آنذاك، وقعت الكثير من التجاذبات والخلافات بين الطرفين حول عدد من القضايا، من بينها (على سبيل المثال) تمثيل السودان في المحافل الخارجية مثل مؤتمرات القمة وغيرها، وبما أن المشاركة في هذه المحافل قد تتطلب اتخاذ قرارات نيابة عن حكومة السودان، وأن مجلس السيادة لم يكن مخولا بذلك، فمن الطبيعي أن يكون الشخص الذى يمثل السودان في هذه المحافل هو رئيس الحكومة او من ينوب عنه، ولكن كان رئيس مجلس السيادة يصر على المشاركة في مؤتمرات القمة باعتبار انه رأس الدولة، وقد يكون منطقه مقبولا للبعض، وللأسف حُسم الجدل على طريقة سماسرة السوق بأن تكون المشاركة بالتناوب (فِفتى فِفتى)، وهو بالطبع حل غريب يرسخ تداخل السلطات ويؤدى لوقوع الخلافات ويؤثر سلبا على الاستقرار السياسي !!
* كما حدثت خلافات بين الحكومة وبعض القوى السياسية حول بعض القضايا الجوهرية لانعدام التفويض والتنسيق، والنموذج الأوضح لذلك قيام رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي مولانا (محمد عثمان الميرغني) بتوقيع اتفاقية السلام أو ما عرف بـ(اتفاقية الميرغني قرنق) مع رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (جون قرنق) في نوفمبر 1988 التي نصت على عدة بنود من صميم عمل الحكومة من بينها تعطيل بعض القوانين وعقد المؤتمر الدستوري، ولم يوافق (الصادق المهدى) الذى كان يرأس الحكومة آنذاك على الاتفاقية إلا متأخرا جدا قبل استيلاء الجبهة الاسلامية على السلطة بوقت قليل، وهو ما لم يتح الفرصة لتنفيذها، فكانت جهدا ضائعا !!
* يجب ان نستفيد من دروس الماضي، ونتعلم منها كيف يؤدى كل منا الدور المطلوب منه بدون حدوث تضارب في السلطات، والالتزام بالحدود المرسومة وعدم التدخل في أعمال الآخرين إلا بالحصول على تفويض، والالتزام بالوثيقة الدستورية والقوانين التي تنظم شؤون الدولة خلال الفترة الانتقالية حتى ننأى بأنفسنا عن المشاكل والصراعات، ونستغل كل الوقت المتاح لتحقيق الغايات المنشودة وإعادة بناء الدولة المدنية على الاسس الديمقراطية السليمة !!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد