ملأت صور طالبات وطلاب مدارس نيالا أمس مواقع التواصل الاجتماعي، الطلاب الذين خرجوا في مظاهرات منددة بشح ثم انعدام الخبز في المدينة لم تتردد الشرطة في إطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريقهم.
صور الطالبات والطلاب وهم ممددين يتلقون العلاج جراء الإصابات للوهلة الأولى ربما تظن أنها تعود إلى حقبة ما قبل سقوط البشير، لكن للأسف فقد سجلت مظاهرة نيالا أمس أول حادثة في سجل العنف والقمع في عهد الحكومة المدنية المعينة حديثًا، بل حكومة الثورة التي قامت بالأساس ضد العنف والظلم والقمع.
ما حدث أمس خطير جدًا، وخطورته ليست لأن المصابين أطفال أو حجم الإصابات ولا حتى استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع والرصاص ضد الأطفال، ما حدث خطورته أكبر من ذلك. السلطات التي فعلت هذا أمس هي سلطات حكومة الثورة التي أسقطت البشير.
والخطورة الأكبر أن الشريك المدني في الحكومة لا يبدو أنه يملك شيئًا سوى إصدار البيانات والتنديد والشجب والإدانة.
هل نحن على موعد لمتابعة فصول شراكة أشبه بشراكة نيفاشا؟
لم تصدر الحكومة أي ردة فعل لما حدث، استخدام الشرطة للعنف ضد المظاهرات السلمية، لا أدري إن كان المطلوب منّا أن نتكيّف مع هذا الوضع في ظل حكومة ديكتاتورية أو حكومة ثورة، هل الأمر سيّان؟
إن مر ما حدث في نيالا مرور الكرام فنحن موعودون بالمزيد من عنف الشرطة وربما يتمدد الأمر ليشمل بقية القوات النظامية التي في الأصل لم تتخلَّ عن استخدام العنف.
واضح أن الحاجة ملحة للتذكير على رأس الساعة أن ما جرى منذ ديسمبر 2018 حتى أبريل 2019 هو ثورة، ثورة وليس مجرد شراكة ناتجة عن تسوية، يجب أن تعي هذه الحكومة أنها جاءت لتحقق مطالب الثورة أو على أقل تقدير أن تحرس هذه الثورة.
صحيح أنه وحتى الآن لم يتلمس الناس ثمار التغيير على المستوى المباشر، ولا تزال الآمال معلقة في حكومة حمدوك، وصحيح أن الجميع يدرك أن عملية التغيير ليست يسيرة ولن تتم بين ليلة وضحاها، وصحيح أن ما جرى خلال 30 عامًا لن ينصلح خلال الفترة الانتقالية.
كل هذا معلوم والجميع متفهمون له، لكن على أقل تقدير أن يتوقف الدم الذي يسيل دون أسباب، على أقل تقدير أن تفهم الشرطة أنها في عهد جديد وأن تغييرًا طرأ.. هذا على أقل تقدير.. هل هذا كثير؟
التيار