كان راحلنا الكبير والعزيز علي محمود حسنين (رحمه الله) واحدا من أبرز وأشرس المدافعين عن الديمقراطية ومن أشهر دعاة السلم الأهلي والحق المدني،وتشهد له الساحة السياسية السودانية (الا من كابر أو في قلبه مرض أو حسد) بأنه من المؤمنين ايمانا راسخا لا يتزحزح بالديمقراطية والداعين بقوة لا تعرف الكلل ولا الخور والخوف والتلجلج والتردد من أجل التحول الديمقراطي السلمي،وهذه المواقف الديمقراطية المشهودة لفقيد الوطن الكبير
تعيد للأذهان ذكرى ميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي كان هو عرابه ووقعته كل القوى السياسية السودانية فيما عدا الجبهة الإسلامية القومية حينها (المؤتمر الوطني المندحر حالياً)، ولكنه للخيبة رغم أهميته لم يسوى ثمن الحبر الذي كتب به،إذ لم يصمد مع أول انقلاب يواجهه،ولعل في ذلك درس أن الديمقراطية لا تحميها المواثيق والمخطوطات بل وعي المجتمع بها،وقبل ذلك بالممارسة السياسية السليمة لها داخل الأحزاب، وعلى كل حال ونحن نودع هذا الفارس الديمقراطي سنحاول هنا لمصلحة الجيل الناشئ اجترار ذكرى ذلك الميثاق الذي مزقه انقلاب الإنقاذ الذي بدوره مزقته ثورة ديسمبر_أبريل.. بعد حوالى سبعة أشهر من نجاح انتفاضة أبريل،وتحديداً في السابع عشر من نوفمبر 1985، تجمعت كل القوى السياسية السودانية،إضافة إلى ممثلين للقوات المسلحة،ولم تتخلف سوى الجبهة الإسلامية القومية،في لقاء حاشد بميدان المدرسة الأهلية بأم درمان جوار منزل الزعيم الأزهري،ووقعوا جميعهم على ما أسموه ميثاق الدفاع عن الديموقراطية،وذلك بهدف حماية وصيانة الديموقراطية الثالثة الوليدة.ومن أبرز ما اشتمل عليه ذلك الميثاق أن نظام الحكم في السودان يقوم على التعددية الحزبية،وأن القوات المسلحة مؤسسة قومية يتلخص دورها في الدفاع عن الوطن والديموقراطية وحظر الميثاق على الأحزاب العمل السياسي وسط الجيش. كما حدد الأساليب التي ينبغي للقوى السياسية اتباعها لمواجهة أي انقلاب عسكري مهما كانت الشعارات التي يرفعه. ومن هذه الأساليب استخدام سلاح الإضراب السياسي والعصيان المدني وتكوين جبهة من القوى الموقعة على الميثاق لمعارضة الانقلاب الجديد،وعدم الاعتراف بأي شرعية للانقلابيين ولا بالاتفاقيات التي يوقعونها مع الدول الأخرى،كما تم بالفعل إيداع نسخ من هذا الميثاق لدى مجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً)،ولكن للأسف رغم كل هذه (الهلولة) استولى انقلابيو يونيو (1989) على السلطة بكل سهولة ويسر ودون عناء يذكر،وهنا يبرز الدرس الثاني وهو أن الدفاع عن الديموقراطية ليس شأناً خاصاً بالأحزاب فقط وإنما هو مهمة وطنية يتوجب على كل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات أهلية ناشطة في مختلف جوانب الحياة العامة الاضطلاع بها.وبالضرورة فإن هذه المؤسسات المدنية إن لم تكن تتوفر على قدر من التجربة والتقاليد لن تحمي نفسها دعك عن الديمقراطية،هذا طبعاً غير الضعف الذي عانته ولا تزال الأحزاب نفسها وذلك مبحث آخر..