صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

دا ما حل

12

بلا حدود

هنادي الصديق
دا ما حل

‏‏‏‏
إصرار غريب من الحكومة على التعامل الوقتي مع القضايا الحاسمة والمصيرية فيما يخص معاش الناس، مع كل بداية أزمة يكون التجهل، وفي منتصفها يكون التصريح الذي يستسهل الأزمة ولا يرى فيها ما يمكن أن يشكل خطر، أما مع وصولها الذروة تزداد المخاوف ويسيطر القلق والرعب فيبدأ المسؤول في الولولة والجري يمنة ويسرة بحثاً عن مخرج يثبت به الكرسي الذي بدأ يهتز من تحته وسيهز معه عرش الإمبراطورية التي يعمل بها.
فتأتي الحلول ضعيفة هشة مؤقتة بغرض تخدير الشعب وتسكينه خوفاً من بطشه، ولعل الحلول التي تعودت على إزعاجنا بها حتى حفظناها وباتت جزءاً من حياتنا على شاكلة خبر الأمس: )ضمن خطتها لمحاصرة أزمة الخبز، والحدّ من وقوف المواطنين في الطوابير لساعات طويلة، أعلنت الحكومة عزمها الاستعانة بالخبز المنتَج من الذرة المخلوط بدقيق القمح، وهو ما يمكّنها من ضمان توفير الخبز بكميات ملائمة لطلب الأسواق، وكان للسودان تجربة في إنتاج الخبز المخلوط بالذرة قبل عامين، حيث تعاقدت البلاد مع شركتين روسيتين لاستيراد وتركيب مخابز للدقيق المخلوط بالذرة، إلا أن المشروع توقف دون إبداء أسباب(.
لاحظ عزيزي القارئ المخبز الروسي الذي سكَنت به تململ الشعب قبل عامين، وسبق وكتبت عنه في هذه المساحة وقتها وتنبأت بأنه سكون حل مؤقت وسيفشل، ها هو اسمه يظهر مجددا ويؤكد ما ذهبنا اليه. وتسعى الحكومة لممارسة ذات الأسلوب بكل أسف وأخشى أن تنطلي ذات الحيلة على المواطن ويصمت أملاُ في حل الأزمة. رغم أن السودان الدولة الأكثر إنتاجاُ للذرة على المستوى الإقليمي والقاري، والأوفر حظاُ في زراعة القمح بالمساحات الشاسعة، ورغم ذلك يظل الدولة الأكثر استيراداُ للقمح.
وفي مشهد يشبه ذات المواقف المعتادة، عادت وبقوة مشكلة صفوف وطوابير الصرافات الآلية التي عانى منها المواطن منذ أكثر من شهرين، رغم تغريدات وتطمينات رئيس الوزراء وزير المالية، ولا زال الوزير يغرَد ولا زال المواطن يستجيب، وذات الأمر يتكرر هذه الأيام بحدة مع قطاع النقل، حيث شهدت طلمبات الوقود عودة الصفوف وبقوة هذه المرة وأشدَ من سابقتها، ووضح أن الشحَ في الجازولين سيشكل بداية لثورة مؤجلة بعد أن ارتفعت تعرفة المواصلات بالعاصمة تحديداً بشكل مخيف، وكالعادة يا سعادة كما يقول المثل، وبدلاً من إيجاد مخرج نهائي لمعالجة هذه الأزمة التي ستودي إلى زعزعة استقرار القائمين عليها، ها هي الحلول )الذكية جداً( تأت وتظهر عباقرة الحلول والمعالجات، فقد صدر قرار من جهاز الأمن والمخابرات قبل يومين بتوفير بصات الجهاز لنقل المواطنين )مجانا(، في الفترات المسائية، وإجبار أصحاب الهايسات والحافلات على تغيير مساراتهم وتحديد المسارات لهم لنقل الركاب، وهو الحل )المؤقت( الذي يمكن أن يستمر لأيام فقط ولن يعالج هذه الأزمة نهائياً حتى ولو أدى إلى توفير السيارات الخاصة بجميع ضباط الجهاز وقياداته، بل وقيادات الحكومة والنظام، لأن المشكلة باختصار مجرد مسكن ومخدَر لأيام فقط، فلا ضابط الأمن ولا الشرطة ولا الجيش ولا حتى اصغر موظف حكومة سيقبل أن يوقف حياته لمنح سيارته لعامة الشعب مهما كانت الظروف، إذ سرعان ما ستتوقف هذه )الهوشة( وستعود حليمة لحالتها القديمة.
الحكومة فشلت بامتياز مع مرتبة الشرف في إدارة شؤون الدولة ورغم ذلك تظل متشبثة ومتمسكة بالاستمرار لأنها اخذت الموافقة على الاستمرارية بهذا الشكل المهين والمهلك من الشعب بصمته وعدم اتخاذ أي خطوات إيجابية تعيد له بعضا من حقوقه المهدرة.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد