الحمد لله كاشف الضر والبلاء .. أحمده سبحانه لا إله إلا هو المقصود بدفع الشر والبأساء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله أما بعد أيها المسلمون:
فإن كل ابتلاء يُبْتلى به العبدُ في دنياه هو محكٌّ لإيمانه، ومقياساً لصبره وإحتسابه ، قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، وعلى قدر إيمان العبد يكون بلاؤه؛ فأشد الناس بلاءً رسل الله وأنبيائه -صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين- فكم أُوذُوا في الله، وكم تجنَّى عليهم أقوامهم فصبروا واحتسبوا فكانوا قدوة للصابرين المحتسبين الذين أمتحنوا (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) .
ويتنوع البلاء فمن الناس من يُبتلى بفقد الأحبة ومن الناس من يبتلى بالفقر بعد الغنى، وبالعسر بعد اليسار، وبضنك العيش وقلة الحيلة بعد ناعم الحياة وبسطة الرزق ، وهنالك من يبتلى بكساد تجارته، أو فساد عشيرته، أو خراب بيته، أو تنكر أهله، ومن الناس من يبتلى بالأمراض التي تنغِّص عليه عيشه، وتكدِّر عليه صفو حياته، وتقعد به عن بلوغ آماله.
وفي الإتجاه المعاكس هنالك من الناس من يبتلى بوفرة في المال، وحُظوة في الجاه، ورفعة في القدر وسعة في النفوذ، والإستمتاع بمتع الحياة ونعيمها كما قال سبحانه وتعالى ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) أي اختباراً لكم .
أيها الأحباب :
إن خير ما يفعل المسلم أمام كل ابتلاء هو الوقوف موقف الصبر والاحتساب بما قضى الله -تعالى-؛ فإن الصبر مقام عظيم من مقامات الدين، ومنزل كريم من منازل السالكين، أشاد القرآن بذكره، ورتب عليه الثواب الجزيل وضاعف لأهله الحسنات؛ ليحببه إلى القلوب، ويرغب فيه النفوس؛ فما من فضيلة إلا وهو دعامتها؛ فإن كان صبراً على الشهوات سمي عفة، وإن كان على احتمال مكروه كان رضاً وتسليماً، وإن كان على النعمة وشكرها كان ضبطاً للنفس وحكمة ، وإن كان في قتال سمي شجاعة وقوة، وإن كان بين يدي حماقة وسفه سمي حلماً، وإن كان بكتمان سر سمي صاحبه كتوماً أمينا، وإن كان عن فضول العيش أو الحديث سمي زهداً.
ففي الوقوف أمام الابتلاء موقفَ الصبر خيرٌ عظيم اختُصَّ به المؤمنُ دون غيره كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .. إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” وفي الحديث أيضاً: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم .. فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”
عباد الله :
كلنا يعلم ما تمر به بلادنا من شدائد وإحن وإبتلاءآت مختلفة الأشكال والأنواع ولكن مما يعزي النفوس عند نزول الشدائد، ويصرف عنها موجة الألم لفواجعها ونكباتها الأملَ في فرج الله القريب، والثقة في رحمته وعدله؛ إذ هو -سبحانه- أرحم الراحمين، ومن رحمته لعباده أنه لا يتابع عليهم الشدائدَ، ولا يكرههم بكثرة النوائب، بل يعقب الشدة بالسعة والرخاء، والابتلاء بالرحمة وسابغ النعماء، كما قال -عز وجل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) فقد تكرر اليسر بعد العسر مرتين، ولن يغلب عسرٌ يسرين فاتقوا الله -عباد الله- وحذارِ من اليأس من رَوْح الله، واستيقنوا بالفرج القريب من الله الرحيم الرحمن، فما الشدائد والابتلاءات والمحن إلا خطوةٌ على الطريق إلى تحسين الأحوال، وقفزةٌ إلى رخي العيش وبلوغ الآمال، مع ما فيها من تمحيص وتكفير للسيئات، ورفع للدرجات -إن شاء الله- واذكروا على الدوام قول الله –تعال (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) كما تذكروا قوله جل وعلا (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الجريدة
&&&&&&
وغمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍ غباءُ
المهنية – الموضوعية – المتعة
حرية، سلام وعدالة