صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة

138

———-

ساخر سبيل _ الفاتح جبرا

خطبة الجمعة

الحمد لله وأشهدٌ أن محمداً عبدُه ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أما بعد:

عباد الله:

لقد أصبح الفجور في الخصومات واضحاً جليًا في مجتمعنا اليوم ودونكم ما ينشر في التواصل الإجتماعي، واستغلالها من قبل البعض للفجور في الخصومات، والتنكيل بالخصوم بالكذب والتضليل والتحريض، وعدم التثبت، ونشر التهم والشائعات، حتى وصل الأمر إلى الاستهانة بالدماء والأموال والأعراض، وتعريض (الوطن) للفتن .

والإسلام قد عالج هذه الخصومات والعداوات بين الناس إذا وقعت بينهم بالرجوع إلى الحق، ومراقبة الله، وتذكر الثواب والعقاب المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة، والعفو والتسامح والصلح وإقامة العدل، وحذر من الفجور في الخصومة.

 قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

وقال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

أيها المسلمون :

 كم من خصومة وقعت بين االناس تحولت إلى فجور، واختفى الحق عندذاك ، وظهر الظلم، وكثر الجدال، وكم من خصومة واختلاف بسبب آراء، أو وجهات نظر، أو (موقف سياسي)، بين أبناء الوطن الواحد، تحولت إلى أحقاد وضغائن، وكيد ومكر، من هذا وذاك فدفع الوطن ثمنها فادحاً .

وكم من خصومة بلغت حد الفجور تحولت إلى قطيعة وهجران، ليس لأيام، بل لسنوات طوال بين الزملاء والأصدقاء، والأهل والجيران، عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” [البخاري ومسلم].

ونتج عن هذه الخصومات تحول العلاقات بين الناس إلى سب وشتم بأقذع الألفاظ ، وغيبة ونميمة، وبهتان وهذه ليست من صفات المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: “أَربعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقاً، وإنْ كَانَتْ خَصلةٌ مِنهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتَّى يَدَعَها: مَنْ إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا خَاصم فَجَر، وإذا عَاهَد غَدَرَ” [البُخاريُّ: 2459].

عباد الله :

 إن سنة الله تقتضي أن تحدث بين الناس خصومات في هذه الدنيا بسبب أهوائهم ورغباتهم، ومعاملاتهم، لكن من غير المقبول شرعًا أن يتجاوز الفرد في خصومته الحق والعدل مقولة وكم هي جميلة تلك المقولة التي تقول (الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)

عباد الله:

إحذروا من الخصومات، واحذروا من الفجور في الخصومات، وراقبوا الله في أعمالكم وأقوالكم، وكونوا -عباد الله- إخوانًا، وتطلعوا إلى ما عند الله من أجر وثواب، لمن صفت قلوبهم، وحسنت سريرتهم، واستقامت نفوسهم، واعلموا أن الخصومات في الدنيا ستعرض مرة ثانية يوم القيامة أمام جبار السموات والأرض، وسيطلب منك أن تعيد الكلام نفسه الذي قلته في الدنيا، فإن كان حقًا نجوت، وإن كان باطلًا خُصِمت؛ عندها لن تجد حجة أو عملًا تدفع به غضب الله وسخطه وعقابه؛ روى الترمذي عن الزبير قال: “لما نزل قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر: 31]، قال الزبير -رضي الله عنه-: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة يوم القيامة، بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال: نعم، قال: “إن الأمر إذًا لشديد” [حديث حسن].

عباد الله :

إنه لا بأس أن يدافع المرء عن حقوقه المشروعة بطريقة مشروعة، واضعًا نصب عينيه العدالة مع الخصم، حتى لا يفقد توازنه، ويخرج عن الأدب الشرعي الذي أمره الله به فهذان جَرير والفرزدق كَم وكم تهاجوا بعضهم البعض، وثارت الحُروب الشعرية بينهما، فَلمّا مات الفرزدق رثاهُ جَرير بأبياتٌ عظيمة، فكان مما قاله:

لَعَمْرِي لَقَدْ أشجَى تَميماً وَهَدّها *** على نَكَباتِ الدّهرِ مَوْتُ الفَرَزْدَقِ

وهذا من طَهارةُ مَعدنِ جَرير، فَهو يَرثي ويَمدحُ خَصمهُ الفَرزدق رَغم الحُروب الشِعرية بينهما، وَلم تَدفَعهُ الخُصومَة للحَطِ مِن قَدرِ الفَرزدق.

وَما أجملُ قَول الشاعِر:

إن الكـريم إذا تمكن من أذى ‍*** جاءته أخلاق الكـرام فأقلعا

وترى اللئيم إذا تمكن من أذى *** يطغى فلا يبقي لصلح موضعا

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها… أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم .

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد