الحمد لله رب العالمين الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينا فِيهِ مَظَلَّةَ الاستِقْرَارِ والأَمَانِ،وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، المَبْعُوثُ بِالهِدَايَةِ والإِحْسَانِ،وأَفْضَلُ دَاعٍ إِلى البِرِّ والإِيمَانِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلهِ والأَصْحَابِ،وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ البَعْثِ والثَّوَابِ
أَمَّا بَعْدُ :
يقول الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }
عباد الله – إنّ الرقي والتقدم في أيّة بقعة من بقاع العالم، وفي أي مجال من مجالات الحياة الإنسانيّة، ماضياً وحاضراً، لا يكون بناؤهما إلاّ على يد ابناء مجتمعها فعندما يغرس الإسلام في روح الإنسان حبّ الخير والصلاح وأعمال البرّ، إنّما يقصد خلق نموذج إنساني تتجسد فيه كلّ مقومات الصلاح والنبل والجمال فمتى صار الإنسان صالحاً، فإنّه سيكون فيضاً من العطاء الخيّر، ليس لنفسه فحسب، وإنّما للعالم أجمع وبالتالي يجب أن يكون هدفنا هو الإنسان لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقمنا من مباني ومنشآت ومدارس ومستشفيات ومهما أنشأنا من جسور وأقمنا من طرق فإن ذلك كله يظل كياناً مادياً يفنى ويتآكل مع الزمن ذلك إن روح كل ذلك هو الإنسان، الإنسان القادر بفكره، القادر بفنه وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها. إن بناء الوطن يا أحبتي لن يتم بالشكل المطلوب قبل أن نقوم وبجهود حقيقية في بناء الإنسان، فمن ادّعى أنه يعمر الأوطان وهو يتجاهل الإنسان وظن أنه سيشتري فكر الشعوب مخادعاً بالشعارات البراقة فسيهلك الإنسان وستخرب الأوطان فلن يبنى وطنا في كل بقاع الأرض ما لم يبنَ الانسانٌ فيه أولا.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺸﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥ، ﺑﻨﻮﺍ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﻟﺸﺪﺓ
ﻋﻠﻮﻩ، ﻭﻟﻜﻦ !
ﺧﻼﻝ 100 ﺳﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻟﻠﻐﺰﻭ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺕ! ﻭﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻟﻠﺤﺎﺭﺱ (ﺮﺷﻮﺓ) ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺎﺏ، فقد ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺑﺒﻨﺎﺀ
ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ لذلك ﻓﺒﻨﺎﺀ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ
أيهاالمسلمون :
إن الأوطان تبنى بحسن الإدارة وحسن استثمار الموارد في جميع مؤسسات الدولة فالأوطان تبني من خلال تبني ثقافة عمارة الأرض كما أمرنا الخالق جل وعلا، الأوطان تبني من خلال الجد والاجتهاد وتبنى ثقافة الإتقان، الأوطان تبنى بالإخلاص وبتلازم النية والقول مع العمل، الأوطان تبنى بالعلم والمعرفة وتطوير المنظومات التعليمية، الأوطان تبنى بتبني ثقافة الكل يربح وليس مبدأ أنا أربح وأنت تخسر، الأوطان تبني من خلال المصارحة والصدق فمن أحسن يقال له أحسنت ومن أخطأ يقال له أخطأت، الأوطان تبنى في تبني مبدأ العدل والعدالة لا مبدأ (إذا سرق فيهم الشريف تركوه ) .
أيها المسلمون :
إن الأوطان تبنى من خلال وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب ليس بالمحسوبية والولاءات والمحاصصات، الأوطان تبنى من خلال قبول مبدأ التنوع فالاختلاف بالرؤى لا يفسد للود قضية، الأوطان تبنى بحب الإيثار للغير وليس كلمه (أنا)
الأوطان تبني من خلال تبني ثقافة تكافؤ الفرص في المال والأعمال والتوظيف وكافة مناشط الحياة، كما تبنى الأوطان من خلال الجمع بين الأصالة والتحديث مع احترام ثوابت الأمة ومعتقداتها.
ولا تبنى الأوطان يا أحبتي على الفساد المالي والإداري والأكاذيب والتحطيم المادي والمعنوي للإنسان وكل مايؤدي إلى التشاحن والبغضاء والتحريض والإقصاء والتهميش لبعض فئات ومكونات المجتمع.
إخوتي وأبنائي :
إن أردنا أن نبني وطنا جديدا فلنحذر من الفتن، ولنتكاتف ونتآزر ورحم الله شاعرنا الفذ (صديق مدثر) القائل في أحدى قصائده :
لن يصيب المجد كف واحد نبلغ المجد إذا ضمت كفوف !
فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبل الله جميعًا، وكونوا يدًا واحدة تعمل على الارتقاء بهذا الوطن الجميل ولا تعطوا فرصة لكل من يريد أن يزعزع أمنه واستقراره، يقول الله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
أسأل الله أن يصلحني وإياكم ظاهرا وباطنا والتائب من الذنب كمن لا ذنب له وأقم الصلاة