لاطف خطاب دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك كثير من الغبن السياسي الذي سيطر على الشارع السوداني وطيب نفوس الشباب، الذي مدّ حبال الصبر طويلاً، وتتوق نفسه الى الوصول الى سدرة المنتهى، في طريق محفوف بالمخاطر والخذلان والأسف والخوف من التفكير المستمر ،في أن لا تكون حكومة الثورة بحجمها، بعد ما ضاق بالمواطن حيز العيش في السودان بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة.
وتلمس الخطاب بعض الجراحات الغائرة التي كادت ان تخلق حالة (تسمم ) في جسد الوطن الحبيب، والتي مارس عليها البعض اسلوب التطيب قبل التطهير.
وجاء خطاب الدكتور عبد الله حمدوك دون غيره من الخطابات بأنه كان خطاباً واضحاً وشفافاً ، وضع فيه حمدوك النقاط على الحروف التائهة التي ظلت تدور في فلك الإنكار لبعض المثبت بالأدلة ، وجاء الخطاب لأول مرة محذراً من الوقوع في مغبة الانهيار ، وهذا يؤكد حجم المخاطر التي تحف مسيرة التغيير.
كما أن أكثر النقاط أهمية وضرورة والتي تطرق لها الخطاب هي التدهور الأمني، الذي عزاه دولة الرئيس الى انه يعود بالأساس للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة، والذي ترك فراغاً تسلَّل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد، ولكن قوى الثورة لا مجال أمامها سوى أن تتوحد وتعيد تماسكها وتُنظِّم صفوفها، فهي بوحدتها فقط قادرة على حماية الثورة وقيمها وأهدافها، فتشتُّت قوى الثورة هو الذي يدفع أعداءها للتحرك والتآمر. كما إننا ندرك أهمية وجوهرية مهمة إصلاح القطاع الأمني وهي مما نضعه نصب أعيننا ونعمل لأجله ليل نهار، فبدون إجراء هذه الإصلاحات الضرورية ستظل بلادنا نهباً للمخاطر الداخلية والخارجية.
ومعلوم أن الحاضنة السياسية المتصدعة هي التي تسببت في هذه المعاناة التي وجد المواطن نفسه محبوساً في لفائفها، مكتوف الأيدي ، وجعلت اعداء الثورة يتسللون من حيث لا يحتسب الناس يسعون في الارض فساداً ، ولكن من يترك بابه موارباً او مفتوحاً ، كيف له ان يشكو من تسلل الصوص
وظل حمدوك يتحمل ضعف غيره الى الحد الذي جعله يبوح بذلك فهو الرجل الصامت قليل الكلام ، الذي لا يتعامل بردة الأفعال ، لكنه هُدّ كتفه وهو ينحني بثقل اخطاء الائتلاف الحاكم الذي بدوره وقف بعيداً عن تحمل مسئولياته ولم يكتف بذلك بل بدأ يقذف بحجارة النقد على الحكومة التي يجلس على طاولتها قراراً وكلمة.
والحكومة كما قلت سابقاً ينقصها من يحدث الناس عن خطواتها وجهودها المبذولة ، إن اختلف البعض ان يسميها إنجازات ، فهي بالتأكيد حققت خطوات كبيرة في طريق الاصلاح وتحقيق أهداف الثورة، لكن ظل إعلامها ضعيفاً لا يعكس هذا النشاطات وابتلعته (سمكة قرش )الثورة المضادة في المنابر ومنصات السوشيال ميديا وظلت تلك الأدوات تنخر في جسد الثقة الى أن خلقت مشاعر الجفوة بين الشارع وقيادته الثورية فأغلب ماذكره حمدوك في خطابه من خطوات ايجابية نفذتها حكومته، يجهلها أغلب الشعب السوداني البسيط ، وهو عمل بسيط اقل ماكان يجب ان يقوم به اعلام الحكومة ، فالثورة وقيادتها تُضرب بيد من حديد من قبل اعلام الفلول ومنابره ، ومن قبل (الاعلام الجديد) الذي صنعه المكون العسكري والدعم السريع.
وحتى البرامج الاقتصادية كبرنامج سلعتي وثمرات سمع بها بعض المواطنين لأول مرة من لسان رئيس مجلس الوزراء وهذا خلل كبير يحتاج الى المراجعة والمعالجة.
فالمتربصون بالثورة من فلول النظام المباد الذي غابت شمسه في رحلة أبدية ، مازالوا في أمكنتهم الخفية يحملون عصيهم خوفاً وطمعاً ، يقنصىون للثورة وضربها ، تعمل مطابخهم وطهاتهم على صناعة الإشاعة وتركيبها وتسويقها ، دون ان تتحقق مراميهم ولكن ماهو أهم ، ماذا بعد الخطاب ؟
وهل ستستجيب مكونات الثورة لدعوة الرئيس ،وتضع يدها على يده، أم ان طمع المناصب والمحاصصة والانحناءات الداخلية والخارجية ستعمي عيونهم، ويضيع الوطن ،وتموت بين يدي حمدوك أحلامه ، في سبيل بناء دولة جديدة منحه أنصاره عشماً فيه، لقب (المؤسس) ؟؟!
طيف أخير :
الصدق والصراحة ، قد لا تُكسبك الكثير من الناس لكن ستوفر لك أفضلهم ولو على قلتهم .