في مسرحية شاهد ما شفش حاجة، التي دائماً ما يطيب لي الاستشهاد ببعض ما دار فيها، اعترض محامي الدفاع خليفة خلف خلف الله الذي يسميه عادل امام (عكس عكاس) زميله ممثل الاتهام لما قاله بطريقة ملولوة وغير واضحة، قائلاً له ماذا تقصد حضرة الزميل، وضح أبن أفصح، ليرددها وراءه عادل امام بطريقته قائلا (ماذا تقصد يا زمرة الحصير).. وفي مسرحية الاتفاق السياسي والاعلان السياسي التي تجري بروفاتها الآن وراء الكواليس، ومع غموض وعدم وضوح موقف حزب كبير ومؤثر مثل حزب الأمة، كان لابد أن نطالبه بتجلية وتوضيح وابانة موقفه وموضعه بلا لبس أو دغمسة أو غموض، فمنذ توقيع الاتفاق السياسي بين البرهان ورئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك الشهر الماضي، ظلت مواقف حزب الامة القومي مربكة ومتأرجحة يشوبها الغموض والضبابية، ولم يعرف حتى الآن ماهو على وجه الدقة موقف الحزب الواضح والصريح بلا لجلجة أو لولوة، سواء من اتفاق البرهان حمدوك سابقا و الميثاق السياسي اللاحق الذي يجري اعداده، هل هو رافض ومعارض لكليهما أو مؤيد وداعم لهما، اذ تقاطعت وتعارضت تصريحات قيادات الحزب حولهما، فقسم منهم يتصدره رئيس الحزب المكلف اللواء معاش فضل الله برمة ناصر داعم للاتفاق والاعلان، وقسم آخر يرفض الاثنين جملة وتفصيلا، ويرى هذا القسم الذي تتزعمه د.مريم الصادق نائب رئيس الحزب، أن حمدوك باع المكون السياسي وانضم لقيادة الانقلاب ومشايعيهم، بل حتى عندما صدر بيان من المكتب السياسي للحزب يرفض الاتفاق، سارع رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة لاثبات موقف مخالف للبيان وداعم للاتفاق..
هذا الحال المتذبذب الذي عليه حزب الأمة القومي، يصدق عليه وصف صاحب البالين وركاب السرجين، فالأول كاذب كما يقول عنه المثل والآخر (وقيع)، ومن يضع رجلا في المركب ورجلا أخرى في الطوف كما يقول مثل آخر، سيظل معلقا هكذا، وهذا ما لا يليق بحزب تاريخي كحزب الأمة لا هو مع الثوار ولا هو مع الخيانة، غير أن أصدق وصف يمكن اطلاقه على هذه (المجمجة) التي عليها الحزب، هو ان حزب الأمة بوضعيته المتأرجحة هذه (يجري مع الصيد ويطارد مع الكلاب)، وهو وصف من انتاج زعيم الحزب الراحل الامام الصادق المهدي رحمه الله رحمة واسعة، وكان الامام الراحل قد عاب على الحزب الشيوعي ما اعتبره موقفين متضادين يقفهما من الحكومة الانتقالية، لجهة أن الشيوعي بحسب المهدي ينتقد الحكومة وهو جزء من الحاضنة السياسية لها (قوى الحرية والتغيير قبل خروجه عنها)، وأطلق المهدي على موقف الشيوعي ذاك هذا المثل الشعبي (الشيوعي يجري مع الصيد ويطارد مع الكلاب)، أي أن الشيوعي يلعب دور الصياد والصيدة في آن واحد، ولكن المفارقة اليوم أن حزب الأمة نفسه ينطبق عليه المثل الذي أجراه زعيمه الراحل على الشيوعي..