عقب مغادرتنا المدينة المنورة ووصولنا الفندق بمكة المكرمة ، وكانت الساعة تشير الى الثالثة صباحاً طرق باب غرفتنا رفيقنا في الحج الرجل الخلوق إسماعيل ، فتحت الباب زوجته صاحبة القلب الكبير الأستاذة نهى لتخبرني أن زوجها يرغب في أن يصطحبني للأسفل لأن هناك امرأة سودانية مسنة قد جُنت .
أي نعم والـله..امرأة سودانية جُنت في الحج، نزلت مع إسماعيل الى بهو الفندق وظللنا نبحث عن المرأة ، إسماعيل ومعه عدد من السودانيين ، كانوا يرغبون في أن أقوم بتهدئتها ريثما يتمكن الطاقم الطبي من حقنها بمسكن ، و أن اجتهد للأمساك بيدها وقراءة ديباجة المطوف الملصقة على يدها والتي تشمل اسم المطوف وأرقام هواتف وعنوان او من المفترض .
وجدت المرأة في بهو الفندق سبعينية طويلة القامة قمحية اللون ترتدي عباءة سوداء وخماراً كبيراً يغطي حتى النصف الأعلى من جسدها تتأبط سجادة صلاة زرقاء .
المرأة كانت هائجة وبشدة ، حاولت تهدئتها قليلاً ولكنها كانت تصرخ وتدعي على أولادها وبناتها والمطوف و وكالة الحج في الخرطوم.
كانت تدعي على الجميع بأقسى عبارات الدعاء، علمنا لاحقاً أنها جاءت دون مرافق وتاهت عن مجموعتها لأنها قدمت للحج عن طريق حج الفرادي وليس عبر بعثة السودان .
امتد يومنا مع هذه المرأة حتى الساعات الأولى من الصباح انضمت إلينا لاحقاً الأخت نهى ومنى، ولكن الفشل كان هو سيد الموقف ، ترفض المرأة تناول المسكنات او الحقنة او حتى الجلوس .
غادرت الفندق فجراً وهي ترفع يديها للسماء أن يخسف رب البيت الحرام بأبنائها وبناتها وبالمطوف وبصاحب وكالة السفر الأرض، وأن يذيقهم عذاب الدنيا والآخرة .
ربما تكون قصة هذه المرأة نادرة الحدوث وليست مقياساً لما يقوم به كبار السن في الحج، ولكن الحقيقة الماثلة والتي يجب أن يقف عندها الكثيرون معاناة المسنين وكبار السن والعجزة الذين يأتون لأداء فريضة الحج دون مرافق .
لا معنى أبداً ولا قيمة لأن تكمل إجراءات أبوك او أمك لأداء شعيرة الحج وأنت او أخوك او أختك او قريب شاب من الدرجة الأولى ليس بصحبتهم .
ماهو المقياس لبر الوالدين في حجة يتوه فيها والدك في عرفات او منى او مزدلفة او تنزلق فيها والدتك في حمام او سلم او رصيف او على بوابة بص .
ماهو وجه البر، في أن تجوع أمك او يتبول والدك المسن في إحرامه ، او يغلق باب المصعد في يد والدتك او تسقط وهي تحاول اللحاق ببص او تستجدي المساعدة وهناك من يساعد بصدر رحب وهناك من يتضايق وهناك من يتبرم وهناك من يشاركها لعنة أبنائها .
خارج السور :
لو شاهد الذين يتركون والديهم عرضة لأهوال الحج دون أن يرافقوهم لو شاهدوا معاناة والدهم ووالدتهم، لتركوا كل الدنيا خلفهم وشاركوهم تلك الأيام المعدودات .