بحسب التسريبات المتتالية يتأكد تماما أن الدكتور عبد الله حمدوك هو من سيشغل منصب رئيس وزراء الفترة الانتقالية، ومن أكبر وأخطر القضايا التي سيواجهها (وش) رئيس الوزراء المرتقب، هي بلا منازع قضية معاش الناس وتوفير الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه ومواصلات ووقود ونقود ودواء ولجم هذا الغلاء المتفاحش والمتصاعد يوما بعد يوم، وبقدر ما ينجح حمدوك وهو الاقتصادي المحنك في تسجيل نجاحات ولو نسبية في هذا الملف الشائك مع استهلالية فترته، فانه سيكسب التقدير لشخصه ولمن رشحوه ويضمن الهدؤ والاستقرار للفترة الانتقالية حتى تمضي لنهاياتها بسلام، أما اذا لا قدر الله واجهته متاريس وحاربه المتاعيس فلم يستطع فعل شئ يذكر، فاننا نخشى أن يهزمه السوق بجبروته وسطوته وأساطينه ويلقى مصير الوزير أبو حريرة في عهد حكومة الصادق المهدي. أبوحريرة بعد أن كد وجد واجتهد لتسهيل وتيسير حياة الناس فيما يليه من اختصاص ولم يحصد من كل ما بذله سوى السراب تقدم باستقالته، وكان تعليق الصادق المهدي على الاستقالة أن أبو حريرة شم شطة في الجو فعطس، ونحن لا نتمنى لحمدوك أن يشم رائحة غير روائح الورد والفل والياسمين ..
لقد بلغ الناس أقصى وأقسى درجات الرهق والتعب والنصب من هذه المعاناة التي لا تنقضي، وكانت هذه المعاناة المتطاولة واحدة من أهم وأبرز محفزات الثورة على النظام البائد، وآن لهم بعد اقتلاع النظام الفاسد أن يتجاوزوا هذه الدوامة المهلكة، وواهم من يظن أن معاش الناس ليس بالأهمية التي تضعه على رأس وصدارة أجندة الحكومة القادمة، وقديما قال شيخنا العبيد ود بدر (أكان ما عجينى منو البجينى)، ومن المأثور عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال عجبت لرجل لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه، ولم يذهب أهل السودان بعيدا من هذه الحكم حين اختزلوا علم الاقتصاد كله في قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الاقتصاد عندهم معافى، والعكس صحيح، لا يفقهون في احاديث الساسة والاقتصاديين حول التضخم وعرض النقود والاداء الكلي للاقتصاد والسياق التاريخي لظهور العولمة والميل الحدي للاستيراد والبضائع المثلية والبطالة الاحتكاكية والناتج المحلي والدخل القومي والميزان التجاري وميزان المدفوعات وهلمجرا من كلامهم الكبار كبار ولا يأبهون له، كما يعرفون ويأبهون للميزان ابو كفتين عند اصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، وانطلاقا من هذه الحقائق تبقى مهمة توفير احتياجات المواطنين الضرورية والاساسية وكبح جماح الاسعار وتخفيف وطأة المعيشة أمرا عاجلا ويستحق ايلاءه الأهمية الأولى والقصوى..