شعبنا السوداني الذي عرف بالعفة والكرم والشهامة والإعتزاز بكرامته، تحدث عنه العرب والعجم، وسيرته الحسنة لم تكن في يوم مثار نقاش.
رأينا فيديو الطفل العفوي الذي يسكن مع والدته وإخوته الصغار في (عشة صغيرة من القش) بإحدي القرى المنسية، وهو يمسك بيد أحد الضيوف القادمين من المدينة ويصر عليه ببكاء حقيقي ودموع من القلب أللا يذهب وأن ينتظر ليفطر معهم، في الوقت الذي يفتقد فيه المنزل أي أثر لرغيف خبز أو ملعقة سكر. ولكنه الكرم الفطري الذي نشأ عليه الصغار وأورثوه لأبنائهم وأحفادهم، لم يكن الفقر عيبا يوما ولم يكن الشعب السوداني يعتمد على غيره في معيشته، ولم تمتد يده للغير رغم الصعوبات التي واجهها في حياته والمرارات التي تجرعها علقما من إذلال وإهانة مارسها عليه زبانية النظام السابق.
ما دعاني إلى هذه المقدمة، تصريحات قادة بعض دول الخليج بمساعداتهم (الإنسانية) لشعب السودان، من قمح ووقود وغيره من إعانات فتح بابها الرئيس المخلوع ونظامه الفاسد، وما درى هؤلاء الشيوخ أن قمة الإنسانية عند الشعب السوداني أن يتركوه في حال سبيله، فالشعب يرى الإنسانية الحقيقية أللا تمتنوا عليه بقمح ومال، والإنسانية التي نعرفها أن تعطي بلا منِ ولا أذى، وأن تعطي بيمينك حتى لا تعلم شمالك، والإنسانية التي تعلمناها أن تقف مع الحق وليس عليه، وقمة الإنسانية التي ننشدها من مجلسنا العسكري ورئيسه الفريق برهان، أن يتعامل مع الشعب السوداني كما يقول الدين الإسلامي بالعدل والسلام والكرامة، فالسودانيون أحرار بفطرتهم، لا يقبلون الذلة ، وما يقوم به المجلس العسكري بقبوله إعانات هذه الدول يعني أن يرهن إرادة الشعب الحر للغير، فلم يكن القمح ولا البنزين ولا السكر في يوم من الايام غاية للشعب السوداني، ولا يعتقد هؤلاء القادة العرب أن كل الشعب السوداني (عمر البشير)، الذي ظل يتسول المال والطعام بإسم شعبه، بينما يحوله لمصلحته الشخصية ومصلحة أسرته وأعوانه من سدنة المال العام.
السعودية والامارات والبحرين وحتى مصر إن كانت تريد مصلحة السودان فعليها بالضغط على المجلس العسكري بتحقيق مطالب الشعب السوداني، لا إرسال إعانات غذائية، فالشعب لم يعلن أنه جائع، ولن يجوع طالما أنه شمر سواعده وبدأ حملة التطهير الواسعة بكنس آثار الفساد ولصوص المال العام وإستعاد دولته، الشعب السوداني يحتاج للإستقرار السياسي حتى ينهض إقتصاديا، ويحتاج لفترة نقاهة سياسية يتخلص فيها من كافة آثار الكبت والقهر ليسترد عافيته ويعود ماردا قويا ليسوق بضاعته التي بارت بسياسات فشلة نظام الإنقاذ ودعاة الإسلام السياسي وقادة الغفلة.
السودان لا يحتاج لطن دقيق ولا جوال سكر، السودان يريد أن ترفع دول النفط يدها عنه ليستقل بقراره ويعيد أبنائه من أصحاب الكفاءات بالداخل والخارج لمواقعهم الطبيعية لإعادة تعمير البلد، ويريد إستخراج نفطه وذهبه ويتوسع في إكتشاف مناجمه، بالجبال والصحارى، وإستغلال ثروته الحيوانية الإستغلال الأمثل لا تصديرها للخارج وإستيراد مشتقاتها كما ظل يفعل النظام البائد، الشعب السوداني يريد إستعادة مشاريعه التي باعها لصوص النظام ليعيد سيطرته على تصدير القمح والقطن والسكر والصمغ لا أن ينتظر منتجاته تأتيه مرة أخرى مغلفة في شكل هبات وإعانات تهدر كرامته.
الاموال التي ضبطت في بالمدينة الرياضية أمس، وما ضبطت قبلا من أموال بالعملة المحلية والصعبة بحوزة لصوص الإنقاذ، كافية جدا لمعالجة مشاكل السيولة وإنعدام الأدوية و غيرها من إشكالات أقعدت بالسودان وجعلت من المواطن السوداني مستهلك غير منتج.
شكرا بلا حدود، السعودية شكرا مصر والبحرين، شكرا جزيلا الإمارات، فالشعب السوداني الان موجود بالكامل في ارض الإعتصام يمارس في أجمل طقوس حب الوطن، ومكتف تماما بحبه لبعضه البعض، ولا يحتاج أكثر من راحة البال ليعرف كيف يفكر في بناء دولته مرة أخرى حتى ولو يأكلها (كسرة ناشفة).