مؤسسات الدولة في عهد النظام المخلوع كلها تحولت إلى أملاك خاصة بالحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني، لم يسلم من ذلك حتى الأجهزة العسكرية والأمنية التي سخِّرت تماما لحمايتهما، وأصبحت أجهزة قمعية لا عمل لها إلا إذلال الشعب، وخاصة ما يسمى بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، الذي ارتبط اسمه بالقتل والخطف والتعذيب والترهيب.
لا أعتقد أننا بحاجة لنذكِّر المواطنين بما فعل ذلك الجهاز خلال ثلاثة عقود، فكل بيت لُدِغ منه دون وجه حق، وهناك قصص تحكى عنه يشيب لها الرأس، ولذلك لا بد من إعادة بنائه بعد الثورة ليصبح وطنيا بالفعل، فهل يستطيع المجلس العسكري الانتقالي أن يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه؟ في تقديري الإجابة لا لأسباب كثيرة يعلمها الجميع..
رئيس المجلس العسكري الانتقالي أصدر قرارا بتغيير اسم الجهاز من (جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى جهاز المخابرات الوطني) أي أنه سحب منه كلمة الأمن مع أنها ليست مشكلة، وقال مدير الجهاز الحالي إنّ الجهاز الذي استخدمه البشير لقمع معارضيه تم تغيير اسمه في سياق هيكلة الجهاز ومواكبته للتغيير السياسي الذي تشهده البلاد وأصبح أكثر مهنية واحترافية ويشارك في حماية البلاد وصون أمنها القومي في ظلّ مهدّدات بالغة التعقيد تحيط بالمنطقة والإقليم.
في الحقيقية لم نرَ هذا الجهاز الجديد، ولا شك أن القرار سيظل حبرَ على ورق ما لم تأتي حكومة مدنية، فالمجلس لا يمكنه إعادة هيكلة جهاز أمن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ليس لأنه لا يستطيع ولكن لأنه لا يريد، وإلا لما انتظر كل هذا الزمن وهو يعلم تماما أنه جهاز خطر على البلد والشعب، وسحب كلمة الأمن لن تجعل منه جهاز مهني ما لم تنفذ الهيكلة تماما.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هل فعلا سيتم هيلكة الجهاز أم أن الأمر مجرد مناورات يقوم بها المجلس العسكري ومحاولة لإرضاء الجماهير الغاضبة من تساهله مع أجهزة نظام البشير كلها والتي لم يتخذ تجاهها أيَّ إجراء، وخاصة كتائب الظل والتي ما زالت تصول وتجول في البلد و تمارس هواية القتل تحت سمع وبصر المجلس، بل هو يحميها بحجج غريبة أحيانا يسميهم مندسين وأحيانا ملثمين فينجون بجرائمهم.
جهاز أمن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بُني على باطل وما بني على باطل فهو باطل، والشعب لا يهمه أن يسمَّى جهاز الأمن والمخابرات الوطني أو جهاز المخابرات الوطني، وإنما يهمه أن يكون الجهاز لكل الدولة لكل الشعب يعمل بمهنية ويستوعب كل أفراد الشعب ولا يستغل من قبل أية جهة، فكلمة أمن لم تكن تعيبه وإنما عيبه الأساسي هو إرهابه المستمر للمواطنين.
نقول للمجلس العسكري قبل أن يغيِّر اسم الجهاز غيِّر الأساس المعلول الذي بُنيَ عليه، فكلمة الأمن التي سُحِبت من الاسم ليست هي السحر الذي سيجعل الجهاز مهنيًّا أو مواكبا للتغيير.