شهد السودان منذ نحو أربعة أشهر احتجاجات أخذت في بدايتها طابع المطالب الاقتصادية، إثر ارتفاع كبير في أسعار سلعٍ أساسية، كالخبز والوقود فضلاً عن شح في السيولة وأزمة مصرفية حادة. لكن سرعان ما تحوّلت الاحتجاجات، التي بدأت في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، إلى مطالب سياسية تهدف إلى تنحي الرئيس عمر البشير وإطاحة نظامه بالكامل. وواجهت السلطات الأمنية المحتجين باستخدام مفرط للقوة، شمل الاعتقال والتعذيب والاغتصاب واقتحام المنازل وإطلاق الرصاص الحي، مما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص وإصابة مئات آخرين. وفي 11 أبريل (نيسان) أجبر الجيش الرئيس البشير على التنحي تحت تعاظم حجم المحتجين الذين فاق عددهم مليوني شخص في الأسبوع الأخير من حكم البشير، اعتصم نصفهم تقريباً أمام مقر قيادة الجيش في وسط العاصمة الخرطوم، مؤكدين أنهم لن يتراجعوا حتى يسقط البشير الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري قبل 30 عاماً.
وفيما يلي ترتيب زمني لتطور الأحداث منذ بداية الاحتجاجات حتى إقالة البشير:
ديسمبر (كانون الأول) 2018
> يوم 19: تظاهر مئات السودانيين في مدن عدة إثر قرار حكومي يقضي برفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، بعد شحّ في الأسواق لثلاثة أسابيع. وأحرق متظاهرون مقار حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في ثلاثة أماكن. لكن تنظيماً نقابياً غير رسمي، بدأ يصدر توجيهات للمحتجين الذين التفوا حوله بسرعة وأصبح «التجمع» قائدهم الأساسي حتى اليوم، ويدعو المتظاهرين إلى إبقاء احتجاجاتهم سلمية.
> يوم 20: هتف المتظاهرون «حرية» و«الشعب يريد إسقاط النظام». وقُتل 8 منهم في مواجهات مع القوات الأمنية. وتجددت المظاهرات في اليوم التالي في مدينتي الخرطوم وأم درمان المتلاصقتين. وبعد ثلاثة أيام ظهر الرئيس البشير للمرة الأولى واعداً بـ«إصلاحات جدية».
> يوم 25: أكدت منظمة «العفو الدولية» أنّ 37 متظاهراً «قتلوا بالرصاص» منذ بدء الحراك، ودعت كل من بريطانيا والولايات المتحدة والنروج وكندا، السلطات السودانية إلى «تجنّب إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، والاعتقال التعسفي والقمع»، فيما تحدث الرئيس عن أن الاحتجاجات يقوم بها «خونة وعملاء ومرتزقة» بغرض «تخريب» مؤسسات الدولة.
يناير (كانون الثاني) 2019
> يوم 1: طالب نحو 20 حزباً سياسياً بتغيير النظام وتنحي الرئيس البشير، لينضم بذلك إلى الحراك الشعبي الذي ظل «تجمع المهنيين» يقوده بكفاءة عالية منذ البداية.
> يوم 5: عزل الرئيس البشير وزير الصحة بعد ارتفاع أسعار الأدوية في محاولة لإرضاء المحتجين.
> يوم 9: أطلقت قوات مكافحة الشغب وقوات جهاز الأمن والمخابرات الرصاص الحي داخل أحد المستشفيات أثناء مطاردة أشخاص أصيبوا خلال المظاهرات في مدينة أم درمان.
> يوم 13: خرجت مظاهرات للمرة الأولى في إقليم دارفور، غرب البلاد، الذي شهد على مدى سنوات نزاعات مسلحة ضد الحكومة، أدت إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص من المدنيين، ونزوح مئات الآلاف حسب تقارير منظمات دولية. وفي اليوم التالي أعلن البشير أنّ الاحتجاجات لن تؤدي إلى تغيير النظام.
فبراير (شباط) 2019
> يوم 21: أوقِف ناشطون ومعارضون سياسيون خلال مظاهرة جديدة كانت تتجه نحو القصر الرئاسي. وفي اليوم التالي أعلن الرئيس السوداني حالة الطوارئ وأقال الحكومة.
> يوم 24: أدى رئيس الحكومة الجديدة، محمد طاهر أيلا، اليمين الدستورية، لكن المتظاهرين واصلوا احتجاجاتهم، متجاهلين قرارات البشير بما فيها إعلان حالة الطوارئ.
مارس 2019
> يوم 1: سلّم البشير رئاسة حزب المؤتمر الوطني إلى أحمد هارون، وتراجعت وتيرة المظاهرات بسبب حالة الطوارئ والاعتقالات، لكنها تواصلت في الخرطوم وأم درمان.
أبريل (نيسان) 2019
> يوم 6: تجددت التعبئة بين المتظاهرين الذين تجمعوا بكثافة أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم، للمرة الأولى في ذكرى انتفاضة عام 1985 التي أطاحت حكم الرئيس الأسبق جعفر النميري.
> يوم 8: طالب المحتجون بفتح «تواصل مباشر» مع الجيش من أجل «تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة». وفي اليوم التالي اصطدم الجيش مع قوات أمنية كانت تحاول فض الاعتصام بالقوة. وفي ذات اليوم أمرت الشرطة قواتها بـ«عدم التعرض للمدنيين والتجمعات السلمية»، مشيرة إلى أهمية «التوافق على انتقال سلمي للسلطة». وقتل 11 شخصاً في ذلك اليوم، بينهم 6 عناصر من القوات الأمنية خلال مظاهرات في الخرطوم، بحسب متحدث باسم الحكومة.
> يوم 11: وهو اليوم السادس للاعتصام أمام مقر قيادة الجيش أعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف إزاحة البشير ووضعه تحت الإقامة الجبرية. كما أعلن عن «تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان». ورغم حظر التجول المفروض، دعا منظمو الاحتجاجات إلى مواصلة الاعتصام، معبرين عن رفضهم «للانقلاب». ودعت دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، العسكريين إلى إشراك المدنيين في العملية الانتقالية.
> يوم 12: وعد المجلس العسكري الانتقالي بالحوار مع «الكيانات السياسية» وتشكيل «حكومة مدنية». وأعلن أن الرئيس البشير لن يتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي خطوة مفاجئة، أعلن عوض ابن عوف، رئيس المجلس العسكري الانتقالي تخليه عن المنصب وتعيين عسكري آخر هو عبد الفتاح البرهان في مكانه، واستقبل المتظاهرون النبأ بفرح.