منذ انطلاقة الاحتجاجات السودانية في 19 ديسمبر الماضي ظل المحتجون في حالة ابتكار دائم لوسائل مختلفة لمقاومة عنف السلطات تجاه المتظاهرين.
لكن يظل ما يعرف باسم “جردل مان وجردل وومان”، أبرز الابتكارات الدفاعية التي أسهمت في وصول الحراك الذي انطلق قبل ما يربو على الـ4 أشهر إلى مقر القيادة العامة للجيش.
و”جردل مان وجردل ومان” هما مسميات أطلقت على شباب وشابات يحملون إناء يعرف محلياً بـ “الجردل” أثناء الاحتجاجات يتصيدون به “البمبان” وهو الاسم المحلي لقنابل الغاز المسيل للدموع التي تطلقها القوات الأمنية لتفريق الاعتصام.
ويخرج “جردل مان” إلى الشارع حاملا معه إناء جديداً كل يوم لتبدأ مهمته منذ وصول القوات الأمنية لتفريق الحشود، بمراقبة اتجاه قنابل الغاز الموجهة للمحتجين وفور وصولها إلى الأرض ينطلق “جردل مان/ وومان” تجاهها ليخمد الغازات المسيلة للدموع المنبعثة منها عبر الإناء الذي يحمله لإبطال مفعولها والحيلولة دون انتشارها وسط المحتجين عبر اعتلاء الإناء حتى انتهاء مفعول الغاز المدمع.
يقول إبراهيم نقد الله أحد الناشطين الشباب والمشاركين في الاحتجاجات لـ”العين الإخبارية” إن مواصفات محددة لا بد أن تتوفر في “جردل مان” منها السرعة الفائقة والمقدرة على قراءة الميدان حتى يتمكن من معرفة الجهة التي تطلق منها قنابل الغاز ومكان سقوطه ليقف على مقربة منه ويتمكن من إخماد مفعوله.
كما أن “جردل مان” لا بد أن يكون شخصا صغير العمر وخفيف الوزن حتى يتمكن من الوصول إلى المقذوفة والسيطرة عليها خلال لحظات من سقوطها، لذلك فإن أغلب هؤلاء يكونون من الشبان والفتيات الصغار.
وأضاف نقد الله: “كنت أحد الذين حازوا على هذة الصفة (جردل مان) لأني حملتُ (الجردل) في منطقة ودنوباوي بأم درمان في فترة من فترات الاحتجاجات، وسيطرتُ على كثير من المقذوفات”.
وزاد “تعرضتُ لبعض الأخطار أثناء قيامي بمهام (جردل مان) وذات يوم باغتتني قوات الشرطة بإطلاق المقذوفة قبل أن أنتبه لها فكادت أن تصيبني في رأسي لكني نجوت في اللحظات الأخيرة ولم يتسن لي السيطرة عليها رغم أن الإناء كان في يدي”.
وتعد منطقة ودنوباوي بمدينة أم درمان إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاث، الأشهر من حيث انتشار مسميات (جردل مان) لكثافة الاحتجاجات التي تخرج منها، وهي منطقة ينتمي غالب سكانها إلى طائفة الأنصار التابعة لحزب الأمة القومي المعارض.
ويقول إدريس عبدالله، أحد الشباب الفاعلين في حراك منطقة شمبات بالخرطوم بحري، لـ”العين الإخبارية” إن حامل “الجردل” المعروف بـ”جردل مان” هو أكثر الأشخاص المعرضين للخطر خلال الاحتجاجات، لأنه يخاطر بنفسه لمنع مقذوفات الغاز المسيل للدموع من الوصول إلى الآخرين.
وأضاف “مهماً كانت قوة وسرعة “جردل مان” فلن يتمكن من السيطرة الكاملة على المقذوفات لأنها تسير في الهواء بشكل لولبي ما يجعل الغاز يتسرب إلى الهواء قبل سقوطه على الأرض، وعندها إن لم يكن سريع البديهة ويعرف اتجاه الريح ليقف عكسه فإنه سيكون عرضه للاختناق بالغاز” قبل التعامل معه.
وأوضح إدريس أن قوات الشرطة لا تطلق مقذوفات الغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي وإنما دائماً ما تحرص على إطلاقه مع اتجاه الريح حتى ينتشر بسرعة وسط المحتجين وتتمكن من تفريقهم.
وتأتي تسمية “جردل مان” التي انتشرت على نطاق واسع في السودان على الشخصية الخيالية في ألعاب الفيديو “باتمان” أو الرجل الوطواط، بجانب شخصيات أخرى بذات التسمية أبرزها “سوبرمان، سبايدرمان” ظهرت في أفلام خلال أدوار خارقة.
وسرعان ما انتقل جردل مان من الاحتجاجات على الأرض إلى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي ليمثل مادة خصبة لهواة التعامل مع الصور عبر “الإنيميشن” وغيرها من التقنيات الحديثة، ليمثل أحد أيقونات الحراك السوداني المتصاعد بشكل يومي ضد حكومة الرئيس البشير.
وسرعان ما انتشر الاسم على نطاق واسع خصوصاً وسط رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سارع ناشطون لإنشاء صفحات على “تويتر وفيس بوك” تحمل اسم “جردل مان”، وتتخصص هذه الصفحات في نشر حراك الاحتجاجات، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.