> لا أتابع قنوات المحلية في رمضان..
> فأنا أحفظ ما تقدمه – منذ سنوات – عن ظهر (وجع) قلب… سيما بعد الإفطار..
> فإما تشويه لأغاني الكبار، بواسطة الصغار..
> وإما سخف كوميدي يحاول انتزاع الضحك من المشاهدين بحركات أشد سخفاً..
> وإما إعلانات مملة تفتقر إلى أبسط مقومات الجذب الدعائي..
> فأغلب ما يقدم عبر قنواتنا هذه يعوذه الخيال الخلاق..
> وهذا النوع من الخيال هو حلقة الوصل بين شذرات كلمتنا الرمضانية هذه..
> ولأن شاشاتنا تخلو من هذا الخيال فهي تدور في حلقات مفرغة..
> حلقات التقليد… والتكرار… والاجترار… والاستنساخ..
> حتى الضيوف يتنقلون بين شاشة وأخرى… استغلالاً لشهوة الظهور في دواخلهم..
> أو كما قال أحد الزملاء… يهرولون عند أول (رنة)..
> ولكني أتابع برنامجاً على شاشة مصرية اسمه (شيخ الحارة)..
> فهو ينضح إبداعاً… وإدهاشاً… وخيالاً… وإيقاعاً متسارعاً للأسئلة والأجوبة..
> لا كما عندنا هنا، بطء حارق للأعصاب في كل شيء..
> في الأسئلة… في الأجوبة… في حركة الكاميرا… في الفواصل التي بطول السؤال..
> والأهم من ذلكم كله، الفقر المدقع في الخيال الخلاق..
> وكتاب أعيد قراءته للمرة الرابعة – في أمسيات رمضان – يجمع بين خيالين..
> الخيال الخلاق الذي يتجلى سلاسةً في رشاقة السرد..
> والخيال الذي قد يكون محض خيال مغرض، أو فيه شيء من الحقيقة..
> فهل المهدي – وقادته – كانوا يعيشون فعلاً حياة مزدوجة؟..
> هل كانوا يبدون زاهدين في العلن و شهوانيين في السر؟… هذا ما يقوله سلاطين..
> والكتاب – طبعاً – هو (السيف والنار في السودان)..
> ويزعم أن المهدي كان ينتقي لنفسه أجمل السبايا… ومن بعده خليفته عبد الله..
> ثم يتدرج جمال السبايا من بعدهما – هبوطاً – حسب تدرج القادة..
> وتمتلئ البيوت بالزوجات… والسراري… والجواري…والسبايا، يقول سلاطين..
> كما تمتلئ بأطايب تُلتهم بعيداً عن أعين عامة الناس..
> وربما يكون خيال سلاطين قد شطح بعيداً – في هذه الجزئية – بدافع من الحقد..
> وربما حلق قريباً من الواقع بدافع من أمانة التوثيق، لا ندري..
> أما الخيال الخلاق الذي أبهرني فهو الذي تبثه قناة ناشيونال جيوغرافيك مساءً..
> تبثه في وقت تتمايل فيه قنواتنا – بسلامتها – طرباً..
> تبثه عبر سلسلة عن حياة أينشتاين – الخاصة والعامة – بعنوان (العبقري)..
> فكل نظرياته التي أذهلت العالم تخلقت خيالاً في عقله..
> وللسبب هذا قال قولته الشهيرة (العلم الذي لا يقوده الخيال لا يتجاوز حدود المعقول)..
> وفي رواية أخرى يقول (الخيال أهم من العلم)..
> ولكن خياله الذي جلب له كل النجاح العلمي هذا لم يجلب له النجاح الأسري..
> فالفشل كان هو العنوان العريض لكل حياة زوجية عاشها..
> وربما السبب، افتقار زوجاته إلى الخيال..
> وليس افتقاراً للخيال من جانبنا أن نعيد الذي كتبناه هذا في رمضان الفائت ذاته..
> وإنما لأن الحال (ياهو نفس الحال)… رغم الثورة..
> فهل نحتاج إلى ثورة في الخيال؟!.