صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

تمكين جديد

9

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
تمكين جديد

* ليس من مصلحة الثورة ولا السلطة التي أفرزتها، ولا الوطن كله أن تستمر حالة الهياج الحالية، بدعاوى معلنة لتجاوز القوانين، وخلطٍ مريعٍ بين السلطات، وعدم استيعاب مزعج لحدود الصلاحيات.
* مثال على ذلك تنظيم مسيرة لمطالبة وزير العدل بملاحقة رموز النظام البائد، وتوقيف المفسدين، وإحالتهم إلى المحاكمة.
* ذلك المطلب ينبغي أن يوجه إلى الجهة المعنية به، لأن من دعوا إلى المسيرة وحشدوا الناس أمام وزارة العدل لا يعلمون في ما يبدو أن وزير العدل لا يمتلك صلاحية ملاحقة أي شخص، ولا يستطيع إحالة أيٍّ من رموز العهد البائد إلى المحاكم، لأن تلك المهام تندرج في صميم عمل النيابة، بعد فصلها عن وزارة العدل.
* لا وزير العدل يستطيع توجيه النيابة بتحريك إجراءات قانونية، ولا هو يمتلك سلطة حضها على توقيف أي فاسد.
* مجلس السيادة نفسه لا يستطيع أن يؤثر على عمل النيابة، لأنها مستقلة عنه بموجب القانون الذي يحكم عملها، والصحيح أن تجتهد حكومة الحرية والتغيير لحض النائب العام على إقامة العدل والقسطاس، كي يلاحق القتلة والمفسدين، ويمنع توظيف النيابة لتمكين سارقي قوت الشعب من تجاوز العقاب.
* إذا رأت السلطة الجديدة أن النائب العام الحالي ليس مؤهلاً لإنجاز تلك المهام فعليها أن تسعى إلى استبداله بطريقة شرعية، تحترم فيها نصوص الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، لا باللف والدوران، ومحاولة تعديل الوثيقة في الخفاء.
* إقامة أركان دولة القانون لا يمكن أن تتم بتجاوز القانون.
* حتى تسيير المظاهرات أمام رئاسة السلطة القضائية لمطالبتها بمحاكمة قتلة الشهداء ليس مبرراً، لأن القضاء غير مختص بالقبض على المجرمين، وليس من صلاحيات القضاة أن يهرعوا لملاحقة المتهمين في دورهم وأماكن عملهم، بل
إنهم غير معنيين ببذل أي جهد لتوفير الأدلة اللازمة لإدانتهم.
* الصحيح أن تتجه المسيرة إلى النيابة، كي تطالبها بتحريك ملف قتلة شهداء الثورة، بدلاً من الاكتفاء بمحاكمة المتهمين بتعذيب وقتل الشهيد أحمد الخير، وكأن التجاوزات المريعة التي تمت خلال أيام الثورة انحصرت في شهيد حي القربة منفرداً.
* حتى القرار الذي أصدرته وزيرة التعليم العالي، ونصت فيه على ضرورة أن يؤمن أي مدير جديد يتم تعيينه على رأس أي جامعة بميثاق الحرية والتغيير يعتبر من لغو الحديث، ويحوي جهلاً مؤسفاً بأصول التوظيف في العمل العام، وإساءة لاستخدام السلطة، بتجيير الوظيفة العامة لمن يمتلكون انتماءً سياسياً محدداً.
* لو أجزنا فعلها الشنيع فسنكون قد بررنا من حيث لا نحتسب كل ما فعلته الإنقاذ في بواكير أيامها، عندما صنفت العاملين في الخدمة العامة على أساس الانتماء، وأشبعتهم فصلاً وتشريداً ونكَّلت بهم أيما تنكيل، قبل أن تستبدل المؤهلين بمن يدينون لها بالولاء، اعتماداً على سياسة التمكين الكريهة.
* الصحيح أن يتم اعتماد معيار الكفاءة وحده، وأن يُخصص المنصب للجدير المؤهل، الذي يمتلك الكفاءة اللازمة لإنجاز المهام الموكلة إليه، بغض النظر عن انتمائه السياسي.
* قرار الوزيرة يشير إلى أننا مقبلون على (تمكينٍ جديد)، تكون فيه الوظائف العامة حصريةً على من يحملون توجهاً سياسياً بعينه، لا لأصحاب القدرات والخبرات.
* انتبهوا يا سادة.. هذه الثورة العظيمة أتت لبسط العدل، وإنهاء الظلم، والقضاء على الواسطة والمحسوبية.. ثورة شعارها الأول (حرية سلام وعدالة)، فأين تكمن العدالة في أخذ الناس بانتماءاتهم السياسية، من دون التقصي عن قدراتهم ومؤهلاتهم، وتحديد ما إذا كانوا قد شغلوا وظائفهم بقدراتهم، أم أتوا إليها محمولين برافعة الانتماء والتمكين؟

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد