ملابسات ما حدث بعد التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري خطيرة جداً وتُنبئ بكارثة لا يمكن السكوت عليها.
ليس للإضافة التي وضعت على أحد بنود الوثيقة، بعد التوقيع، إنما في مبدأ “المخالفة الجريئة والمدهشة” لنصوص القانون الذي كُتب بواسطة الأطراف نفسها. بعد أن وقعت قوى التغيير والمجلس العسكري على وثيقة الإعلان الدستوري بالأحرف الأولى في الرابع من أغسطس، جرت تفاهمات وتعديلات بين الطرفين، فكان من الطبيعي والمتوقع أن تختلف نصوص وثيقة الرابع من أغسطس، بالوثيقة النهائية الموقعة في الـ(17) من أغسطس. لكن كارثة ما، حدثت بعد ذلك! في نهار التوقيع، الذي حضره الرؤساء والوزراء والسفراء وغيرهم من المسؤولين، جلس على المنصة وأمام الكاميرات، نائب رئيس المجلس محمد حمدان حميدتي والقيادي المفاوض في قوى التغيير أحمد ربيع ليوقعا على كتاب الإعلان الدستوري.
كانت لحظات فاصلة ومهمة وملهمة في تاريخ السودان، تؤكد بصورة مباشرة، بدء حياة جديدة يحكمها القانون والدستور الذي عبر عن رغائب الشعب وتطلعاته..
بعد انتهاء التوقيع، وفرحاً بما تحقق، اتجه صحفيون إلى أحمد ربيع، وصوروا بهواتفهم وثيقة الإعلان الدستوري التي كانت بيده.. واحتفظوا بها في هواتفهم النقالة.
أتحدث عن الوثيقة التي تم توقيعها أمام الرؤساء وكانت بيد ربيع، لا بيد عمرو..! تلك الوثيقة وفي عنوان “اختصاصات مجلس السيادة وسلطاته” نصت في البند (11).. (و) على الآتي: (اعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من قِبل مجلس القضاء العالي). هذا هو البند دون زيادة أو نقصان، لكن قبل أيام، رفع بعض قيادات قوى الحرية والتغيير الوثيقة الدستورية على صفحاتهم الشخصية في فيسبوك، ومرروها في مجموعات “واتساب” وكان ذات النص، مضافاً عليه فقرة صغيرة، هي “ولحين تشكيل مجلس القضاء العالي يعين مجلس السيادة رئيس القضاء”! اتصلت بقيادات من قوى التغيير استفسرهم عن هذا النص، فأكدوا أنها الوثيقة الحقيقية.
اتصلت بأحد أعضاء المجلس العسكري فأكدوا أيضاً أن الوثيقة المضاف إليها النص هي الحقيقية.
لكني تحصلت على الوثيقة الأصل من الاتحاد الإفريقي، فخلت من ذلك النص، الذي يسمح لمجلس السيادة بتعيين رئيس القضاء! الوثيقة الموجودة في هواتف بعض الصحفيين والتي كانت بيد أحمد ربيع، والنسخة الموجودة في الاتحاد الإفريقي، تؤكد أن اتفاقاً ما تم بين التغيير والمجلس لتغيير هذا النص بعد حفل التوقيع!!
هذه الإعلان الدستوري يقول في صحفته الأخيرة (لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي)! لن نتساءل لماذا لجأ الطرفان إلى الخرق بدءاً، لكننا نؤكد أن هناك حُراسا لهذا الاتفاق، لن تمر عليهم أي تجاوزات صغيرة أو كبيرة.
الوساطة الإفريقية تلتزم الصمت، يبدو أنها محرجة، وتحاول إنقاذ الموقف عبر قانونيين.
ليه كده بس..!