ضجَت الأسافير قبل يومين بما تسمى مبادرة السلام والإصلاح، أو مذكرة الـ 52 كما أسماها البعض، وتحدثت ايضاً عن العديد من المبادرات التي قدمها المؤتمر الشعبي وجهات أخرى لم نسمع بها من قبل، في كل يوم وفي كل منصة إلكترونية وصحيفة سيارة، نجد مبادرة، وبالطبع تصاحب جميع هذه المبادرات حالة هياج حاد من قبل المواطنين والناشطين خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي، وتظل تأخذ حيزاً كبيراً من الإهتمام وتطغى على مساحات يفترض أن تكون مخصصة لقضايا متعلقة بالراهن والحراك الشعبي الداعي بقوة لإسقاط النظام، وبطبيعة الحال فجذوة هذه )الهيجة( لا تنطفئ إلا بظهور حكاية أخرى ورواية جديدة من ذات الشاكلة.
تابعنا أيضاً الكثير من الأخبار المثيرة جداً على شاكلة 300 جثة بمشرحة، وفضيحة مبلغ مليار جنيه تم تحويله من شركة شيكان لحساب رئيس البرلمان، وخبر مينشيت لصحيفة ألوان من كلمتين فقط )تسقط بس(، وغيرها من أخبار مفبركة وتفتقد للمصداقية والمنطق، ولا يقبلها العقل.
في تقديري أن مثل هذه المبادرات والأخبار )مفخخة(، ودعوة حق أريد بها باطل، فإذا نظرنا لتوقيتها نجد الإعلان عنها في الغالب يأتي قبل يوم واحد أو يومين من قيام موكب معلن في جدول قوى الحرية والتغيير، بقصد شغل تفكير الرأي العام الثائر وإلهائه عن ما ينتظره من دور في الحراك الذي يتمدد يوماً بعد يوم. ولعل ما يؤكد حديثي من وجهة نظري يظهر بوضوح في جزئية مبادرة ال )52( الأخيرة برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله وعضوية العديد من الشخصيات البارزة )د/ الشفيع خضر/ بلقيس بدري/ الصادق الرزيقي وآخرين تجمعهم إختلافات جوهرية ولا يمكن أن يجمعهم صف بنزين ناهيك عن الجلوس على طاولة واحدة لتحديد مصير دولة والإعداد لفترة إنتقالية، فالتشكيلة المتنافرة كما شبهها البعض ب )سمك لبن تمر هندي(، من الطبيعي أن يصاحبها )لغط وجدل وغلاط وتحليل( يشغل الرأي العام لفترة على حساب الاستحقاق الوطني الكبير الذي ينتظر الجميع. لذا فالنظام وعبر كتائب الإسناد الإلكتروني عمد إلى تنشيط عمله ليل نهار للحد من هذه الثورة التي باتت أسلوب حياة للشعب السوداني.
وذات الأمر ينطبق على التسريبات التي خرجت من منسوبي الوطني بالمبادرة المقدمة من دولة قطر لمفاوضات الدوحة التي قيل إنها تجمع خليطاً من أحزاب وتجمعات في غالبها تمثل النظام مع شباب الثورة بحثاً عن حلول للخروج بحلول للأزمة، ولكنها في حقيقتها تُعنى بالخروج من عنق الزجاجة، رغم علم النظام أكثر من غيره بإستحالة تراجع الثوار عن ثورتهم، ولكنها مجرد أساليب لإطالة أمد الثورة وكسب الوقت والبحث أثناء ذلك عن طوق نجاة ومخارج آمنة بعد أن انكشف ستره بالداخل وأمام المجتمع الدولي.
ما أود الخلاص له، أن الحذر واجب والإنتباه لأساليب النظام هذه الأيام بشدة حتى لا يشتت شمل الثوار ويجعلهم مجرد أدوات في يده، وأعتقد أن الشعب بات واعياً جداً ولا تنطلي عليه مثل هذه الحيل المجربة، فتجريب المجرب لم يعد له وجود في قاموسهم الملئ بالشعارات الثورية والحماسية، وحنجرة الشارع لم تعد تعزف غيرها، وهذا هو الدور المنتظر من الناشطين والقيادات بالأحياء والنقابات المعترف بها من الثوار بتوعية المواطنين بعدم التعاطي أو تداول مع مثل هذه الأخبار المسمومة، وعليهم فقط تذكر ما فعله بهم النظام لثلاثين عاماً، تشبعوا فيها بأبشع أساليب الإقصاء من صالح عام وإفقار وتجهيل، وقهر وإذلال، وقتل وسحل وإعتقال، وإساءة لسمعة الوطن وإهدار لموارده ونهبها والعبث بكرامته حتى أصبح الجواز السوداني مثار إشمئزاز العديد من الدول بعد أن تم بيعه لتجار المخدرات والسلاح وغيرها من الموبقات من مواطني الدول الأخرى.
ويجب أن تكون الثورة ثورتان، ثورة في الشارع بالمواكب والإعتصامات وثورة على الأسافير ضد كل ما يأتي ومن ينتمي للنظام، عندها فقط يمكن أن يتضعضع صنم الإنقاذ ويسقط من تلقاء نفسه. دون إراقة دماء جديدة وبأقل الخسائر.