على طريقة حميدتي في بذل الكريات والمكرمات والعطايا والهبات والتبرعات، أعلن مني مناوي حاكم اقليم دارفور عن جملة تبرعات سخية لولاية شرق دارفور، بلغت في مجملها (185) مليون جنيه، تقرأ (185) مليار، وجاء اعلان مناوي لهذه التبرعات المليارية لدى مخاطبته لقاءا جماهيريا أعد له بعاصمة الولاية الضعين، والمشكلة هنا ليست في حصول ولاية شرق دارفور على هذه التبرعات، فهي وغيرها من ولايات السودان البائسة والمهمشة تستحق كل ما ينميها ويطورها ويحسن الخدمات فيها كافة، تعليمية وصحية الخ، وانما المشكلة في أسلوب التبرعات التي تعلن أمام الحشود الجماهيرية، والمشكلة كذلك في مصدر هذه الأموال المتبرع بها، فاذا كانت تلك الأموال هي أموال تخص مناوي ويدفعها من جيبه الخاص، هنا يثور السؤال المهم، من أين لمناوي هذا المال الوفير الذي يصرف من فضوله تبرعات بكل هذا السخاء، وما هي مصادره وكيف حصل عليه، ويفرض ذلك سؤالا آخرا عن ما اذا كان مناوي قدم شهادة بابراء ذمته المالية حين تسنم منصب حاكم اقليم دارفور أم أنه لم يفعل، واذا كان قد ملأ استمارة ابراء الذمة شاملة أملاكه وأمواله ومنقولاته ومتحركاته فلينشرها على الملأ والا فهو مطالب بالاجابة عن سؤال من أين لك هذا، أما اذا كانت الأموال التي تبرع بها مناوي من المال العام ومن خزينة الدولة ولن يدفعها مناوي من جيبه وماله الخاص، فلماذا يعلنها كتبرعات ومن منصات اللقاءات الجماهيرية، فالمال العام معروفة أوجه صرفه وكيفية صرفه وفق اجراءات مالية ومحاسبية معلومة ليس من بينها التبرعات، أليس في ذلك تجاوز للوائح الضبط المالي بما يفتح ثغرة يمكن أن يتسلل منها الفساد، والشاهد هنا أن (التجنيب) ليس وحده المدخل للفساد، فمثل هذه الممارسات تدخل أيضا في هذا الباب الذي يدخل منه الفساد..
الراجح بواقع الحال أن التبرعات المليارية التي أعلنها مناوي تتحملها الخزانة العامة، فهل ياترى في الخزانة العامة التي نعلم فقرها وادقاعها من كثرة شكاوي وزير المالية جبريل ما يغطي هذه التبرعات، أم أنها مجرد تبرعات للشو والظهور الاعلامي، وهب أن الخزانة العامة تنؤ بحمل أموال من كافة العملات، فهل يتم الصرف على مشاريع التنمية بهذه الكيفية الأهلية وعلى طريقة تبرعات مناسبات الزواج، وهذا ما يساءل عنه وزير المالية بل ويدمغه بالسفه ويوقعه تحت طائلة المساءلة والمحاسبة.. فمثل هذا (المولد) مولد التبرعات عشناه كثيرا وفى مناسبات عديدة ابان النظام البائد، ولم يتمخض عن شئ سوى أنه كان مجرد زفة إعلامية جوفاء يتكسب من ورائها بعض هواة الشهرة والمتسلقين دون أن تستفيد منها البلاد شيئا، فالأهم من تبرع مناوي وغيره هو وجود خطة تنموية محكمة وشاملة لكل اجزاء السودان، وقبل ذلك تتطلب هذه الخطة أول ما تتطلب انهاء الانقلاب وما ترتب عليه من بلاوي حجبت عن البلاد كل فرص المساعدات والقروض والمنح والاستثمارات الضخمة واعفاء الديون وعزل البلاد، وهذه من الأهمية بمكان ولا يكابر فيها الا مكابر ومتنطع..